الأمير «محمد بن سلمان» في القاهرة .. هدنة ملاكمة ومصالح متبادلة

الجمعة 31 يوليو 2015 06:07 ص

كل المؤشرات كانت تشير أن الزيارة الأخيرة المتبادلة بين المسؤولين المصريين والسعوديين تصب في خانة محاولة تحسين العلاقات، وتبريد الخلافات قبل أن تستفحل، وأن اللقاء ليست بالضرورة معناه انتهاء الخلافات، ولهذا جاء البيان الختامي لزيارة الأمير «محمد بن سلمان» للقاهرة أشبه بتوزيع مصالح بين البلدين بحيث تقدم القاهرة على خطوات معينة مقابل خطوات أخري سعودية تريدها القاهرة.

مع ملاحظة أنه عقب كل لقاء سابق كانت الصحف المصرية تهاجم السعودية أو أن يهاجم سعوديون مصر، فعقب زيارة وزير الخارجية المصري للسعودية وقبل وصول «بن سلمان» للقاهرة، هاجمت صحف مصرية (مجلة روز اليوسف الحكومية) الرياض وقالت إن (السعودية باعت مصر)، وقبلها أيضا هاجم «محمد حسنين هيكل» الذي يعد ناصح السيسي الأول السعودية والملك وأولياء العهد. (طالع المزيد)

وقراءة البيان الختامي للزيارة، الذي سمي إعلاميا بـ«إعلان القاهرة» بين «السيسي» و«بن سلمان» تشير بالفعل لمصالح متبادلة، وأن حزمة (الآليات التنفيذية) التي اتفق عليها موزعة في صورة مطالب مصرية ستنفذها السعودية وبالمقابل مطالب سعودية ستنفذها القاهرة، وباقي الاعلان عبارات دبلوماسية روتينية.

وعل الرغم من أن البيان الختامي للزيارة لم يعلن عن خطوات ملموسة، وجاء روتينيا يصلح لأي زيارة ثنائية بقوم بها مسؤول عربي للقاهرة، إلا أن ثمة ترويج إعلامي لافت ومتعمد لاعتباره «إعلان» يدشن لمرحلة جديدة، وهو ما يمكن فهمه في سياق رغبة البلدين في تهدئة القصف الإعلامي المتبادل.

(البند الأولي) في الإعلان تحدثت عن (تطوير التعاون العسكري والعمل على إنشاء القوة العربية المشتركة)، وهو بند يتضمن مطلب مصري وأخر سعودي، فالقاهرة تراجعت عن دعم الرياض في اليمن بعد حديث «السيسي» الواضح عن دعم الأشقاء وعدم التخلي عنهم، وهو ما أغضب الرياض، وبالمقابل، تطالب القاهرة بتفعيل القوة العربية المشتركة التي تطالب أن يكون مقرها القاهرة – مقر الجامعة – وتعتبرها مدخلا لقيادة العالم العربي، بينما الرياض تتحفظ على مقترح القوة المشتركة ولم تتفاعل معه بقوة.

و(البند الثاني) ذكر «تعزيز التعاون المشترك والاستثمارات في مجالات الطاقة والربط الكهربائي والنقل»، وهو مطلب مصري صرف، حيث تطالب القاهرة بضخم استثمارات سعودية وتحمل تكاليف مشاريع مصرية في وقت تعاني فيه الخزينة المصرية من عجز بلغ لأول مرة في تاريخها 2 تريليون جنية.

وجاء (البند الثالث) - رغم عموميته - ليحقق مطلبا مصريا عبر تأكيده علي «تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين والعمل على جعلهما محوراً رئيسياً في حركة التجارة العالمية».

و(البند الربع) أيضا جاء ليحقق مطلبا مصريا مكررا في البند الثاني، وهو «تكثيف الاستثمارات المتبادلة السعودية والمصرية بهدف تدشين مشروعات مشتركة»، بهدف انعاش الاقتصاد المصري المنهك.

وجاء (البند الخامس) تكثيف التعاون السياسي والثقافي والإعلامي بين البلدين لتحقيق الأهداف المرجوة في ضوء المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين، ومواجهة التحديات والأخطار التي تفرضها المرحلة الراهنة.

أما (البند السادس) والاخير فكان مثار جدل واستغراب بين المراقبين وهو (تعيين الحدود البحرية بين البلدين) ولفت انتباه كل من قرأ البيان المشترك عقب لقاء «السيسي» و«بن سلمان» لأن طرح موضوع ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في هذا التوقيت أمر غريب، وغير مفهوم الهدف منه، وهل يقصد به عدم تدخل البحرية المصرية في المياه الإقليمية السعودية، أم ماذا؟

مكاسب سعودية

ومع أن مراقبين لاحظوا أن إعلان القاهرة لم يتضمن سوي مكسب سعودي واحد في البند الأول يتعلق بـ(تطوير التعاون العسكري) الذي قد يعني تعاون مصر مع السعودية في مواجهة الأخطار الخارجية، فقد اعتبروا أن مجرد اللقاء وزيارة «بن سلمان» هدفها السعي لتعزيّز الجبهة السنية ضد إيران، وإبعاد القاهرة عن طهران في وقت بدأت فيه صحف وسياسيون مصريون يلمحون - ومنهم هيكل - لاحتمال تطبيع العلاقات المصرية مع إيران واستيراد النفط منها بدل السعودية. 

وقالوا أن زيارة ولي ولي العهد السعودي،إلى مصر، وحضوره حفل تخريج للقوات المسلحة المصرية، وتأكيد الرئيس المصري، أن «مصر والسعودية هما جناحا الأمن القومي العربي»، كلها تصب في المجهود السعودي الإقليمي لصدّ طموحات الهيمنة الإيرانية في المنطقة، في أعقاب إبرام الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى الست، عبر تعزيز العلاقات بين الأطراف السنية في المنطقة.

وهو ما يعني تبادل المصالح .. دعم سعودي مالي لمصر مستمر مقابل استمرار مصر ضمن التحالف السني خاصة وأن هناك مخاوف سعودية من انفراط عقد هذا التحالف في ضوء أنباء الصفقات التجارية الإيرانية مع باكستان وتركيا عضوي التحالف السني السعودي.

ما وراء كواليس الزيارة

ويبدو أن ما وراء الزيارة هو تصفية الخلافات أو تهدئة مباراة الملاكمة التي اشتعل حماسها في الأونة الاخير عبر لكمات إعلامية وسياسية.

الفترة الماضية شهدت لكمات مصرية من الرئيس «السيسي» ردا علي انضمام السعودية إلى الحلف القطري التركي الذي يرعى حركة الاخوان المسلمين ويقدم لها الدعم المالي والسياسي والإعلامي، وعبر عن هذا الاستياء بمظاهر عدة، أبرزها رفضه تدخل الجيش المصري في اليمن، واستقبال القاهرة وفود يمنية تمثل التحالف الحوثي الصالحي المناويء للسعودية والسماح بجمع تبرعات للحوثيين في مصر. 

بالمقابل رد السلطات السعودية بعدة لكمات أبرزها استضافة وفد رفيع المستوى من حركة حماس بزعامة «خالد مشعل» رئيس المكتب السياسي واستقبال الشيخ «عبد المجيد الزنداني» أحد أبرز قادة حزب الإصلاح اليمني، والإعلان عن زيارة ثانية لوفد حماس للسعودية أغسطس المقبل.

لهذا تبدو زيارة «بن سلمان» أشبه بمحاولة لتصفية هذه الخلافات وعدم وصولها لنقطة اللاعودة عبر تنازلات سعودية أبرزها اقتصادية مقابل دعم مصري للتحالف السني ضد إيران واستمرار مصر في موقفها ضد ايران، مع السماح بهامش مناورة لكل طرف عبر استقبال أو استضافة من يرغب ويراه مواكبا لمصالح أمنه القومي.

ورغم تعزيز التعاون بين مصر والسعودية، يبدو أن الموقف من حركة حماس ما زال مثار خلاف بين الطرفين، فمقابل الاستعداد السعودي لضم حماس مجددا إلى الجبهة السنية لصد هيمنة إيران وأذرعتها في المنطقة، لا يزال «السيسي» يشكك في نوايا حماس في قطاع غزة، ولا ينسى علاقة حماس بحركة الإخوان المسلمين في مصر.

ولا يستبعد أن يكون المسؤولان، المصري والسعودي، قد تداولا ملف حركة حماس في القطاع، وأبدى الطرف السعودي رغبته في تقريب وجهات النظر بين الحركة والنظام المصري، واستعداده إلى الوساطة بينهما، خاصة وأن قادة حماس أشاروا مؤخرا لتحسن في الموقف المصري وعقد لقاءات مع المخابرات المصرية. 

زيارة «بن سلمان» تبدو بالتالي محاولة لتبادل المصالح دون أن تتضرر علاقات البلدين والاتفاق علي حد أدني من الخلافات لا تتصاعد إلي عداء، وتخفيف حدة الملاكمة في وقت يحتاج كل من الطرفين لبعضهما البعض، فالسيسي يحتاج «سلمان» لدعم نظامه الاقتصادي المنهار ويخفف أخطار الاحتجاج الشعبي ضد نظامه مع ارتفاع أسعار كل السلع والخدمات، و«سلمان» يريد ثقل مصر الجيوسياسي ودعم الجيش المصري ولو في حدوده الدنيا مع استمرار الاستقطاب الإقليمي وزيادة ما تعتبره المملكة تهديدات خارجية.

  كلمات مفتاحية

محمد بن سلمان السيسي العلاقات السعودية المصرية الملك سلمان الإخوان المسلمون حماس

«السيسي» و«بن سلمان» يتفقان على تطوير التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي

زيارة وزير الخارجية المصري فشلت في إنهاء التوتر بين القاهرة والرياض

«هيكل»: «سلمان» ليس حاضرا والصغار متكبرون والنظام السعودي غير قابل للبقاء

مصر والإمارات ضد الانفتاح السعودي على تركيا والإخوان و«السيسي» يتنبى دورا انتقاليا لـ«الأسد»

«خالد مشعل» يصل إلى السعودية في زيارة تنهي سنوات الفتور

هل تكسر زيارة «بن سلمان» للقاهرة «فتور» العلاقات السعودية المصرية؟

الملك «سلمان» و«السيسي» يبحثان هاتفيا المستجدات الإقليمية والدولية

المصالح أولا .. إعلان القاهرة يمهد لتهدئة خلافات القاهرة والرياض

الأزمة السورية والاتفاق النووي يتصدران مباحثات «بن سلمان» وعاهل الأردن

العاهل السعودي ينيب «محمد بن سلمان» لحضور افتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس

الجبهة «السُنيّة» الغائبة

«مجتهد»: الملك «سلمان» يزور مصر في طريق عودته من واشنطن

«محمد بن سلمان» يهاتف «السيسي» ويتبادل معه تهاني العيد

مجلس تنسيق سعودي - مصري لتنفيذ «إعلان القاهرة»