ذي إنترسبت: السيسي يستغل قمة المناخ لتنظيف سمعة نظامه السيئة

الخميس 20 أكتوبر 2022 07:22 ص

"النظام المصري يستخدم قضية البيئة من خلال قمة المناخ (كوب 27) من أجل تنظيف السمعة السيئة لدولة بوليسية في ظل القمع الذي يمارسه ضد معارضيه".. هكذا خلص تقرير موقع "ذي إنترسبت"، لافتا إلى أن استضافة مصر للقمة هي صفقة مربحة بالنسبة للرئيس "عبدالفتاح السيسي" ونظامه.

وحذر التقرير حركة المناخ، ألا تنخرط في اللعبة المصرية، التي تروج الحفاظ على البيئة وتهتم بقضايا المناخ، لكنها في واقع الأمر تسجن الآلاف من الناشطين.

وسلط التقرير الضوء على ناشطي حقوق الإنسان والدفاع عن البيئة في مصر، أو الصحفيين والأكاديميين الذين ينتقدون سياسات النظام، ويتعرضون بسبب ذلك لألوان من التضييق، ويتم التجسس عليهم، ويحظر عليهم السفر، كجزء مما قالت عنه منظمة "هيومن رايتس واتش"، إنه "مناخ عام من الرعب" وأنه "قمع لا هوادة فيه للمجتمع المدني".

ووقعت 21 منظمة حقوقية دولية ومصرية وناشطون حقوقيون، رسالة مفتوحة، أبدوا فيها مخاوفهم من استغلال السلطات المصرية قمة المناخ العالمية المقبلة "كوب 27"، والمقرر انعقادها في مدينة شرم الشيخ، شمال شرقي البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لتبييض انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.

يشير "محمد رافع عارفين" الأستاذ المساعد في الجغرافيا في جامعة بريتش كولومبيا، والذي يجري بحوثاً حول البيئة السياسية الحضرية في مصر: "لقد تغيرت الحسبة المعتادة، ومالت كفة الميزان، فإلى جانب الكربون والتكاليف الباهظة، فإن الحكومة المضيفة التي سوف تتاح لها فرصة التوشح باللون الأخضر أمام العالم، ليست حكومة بلد ديمقراطي ليبرالي مراوغ كما جرت عليه العادة، بل هو أكثر أنظمة الحكم قمعاً في تاريخ الدولة المصرية الحديثة، وواحد من أشد الأنظمة توحشاً وقمعاً في العالم".

ويتابع: "بطبيعة الحال لن تعرف ذلك من خلال الطريقة التي ما فتئت مصر تسوق بها نفسها قبيل انعقاد القمة، بل إن السيسي قرر استخدام هذا التجمع الدولي ليقدم للجمهور نوعاً جديداً من برامج تلفزيون الواقع، حيث يقوم الممثلون بدور النشطاء وقد ظهروا بسمات تطابق تلك التي تعرف عن النشطاء الحقيقيين الذين يعانون من التعذيب الذي يمارس بحقهم في أرخبيل سجونه الآخذ بالتمدد بشكل متسارع".

ويزيد "عارفين": لقد تجاوزت هذه القمة مجرد استخدام قضية البيئة من أجل غسل آثام دولة مفسدة، فما يتم غسله هو آثام دولة بوليسية".

ويستطرد: "الأدهى من ذلك والأمر، أن أعضاء الوفود الدولية لا يتمكنون حتى من قراءة الكثير عن التلوث الحالي وعما تتعرض له البيئة من إفساد وتدمير في مصر، لا في الدراسات الأكاديمية ولا في تقارير المنظمات غير الحكومية، وذلك بسبب قانون في غاية القسوة تم سنه في عام 2019 يشترط على الباحثين الحصول على إذن من الحكومة قبل نشر أي معلومات قد تعتبر سياسية".

ويصف الباحث ما يجري في البلاد بالقول إن "البلد بأسره مكمم الأفواه، ومئات المواقع الإلكترونية محظورة، ومجموعات الباحثين والنشطاء اضطرت بسبب هذه القيود الجديدة إلى الانضباط الذاتي والإحجام عن إجراء البحوث، حتى أن "واحدة من أشهر المجموعات البيئية في مصر حلت وحدة الأبحاث فيها لأنه بات مستحيلاً بالنسبة لها القيام بأي عمل في الميدان."

ويضيف: "لا أدل على ذلك من أنه لم يبد ولا حتى واحد من النشطاء في مجال البيئة الذين تحدثوا مع هيومن رايتس واتش عن الرقابة والقمع استعداداً لاستخدام اسمه الحقيقي لأن الإجراءات الانتقامية بحق من يفعل ذلك شديدة جداً".

ويتابع "عارفين"، الذي قام بإجراء بحوث على نطاق واسع حول الفضلات والفيضانات في المدن المصرية قبل سن هذه الجولة الأخيرة من قوانين الرقابة الصارمة، بأنه وآخرين من الأكاديميين والصحفيين الذين ينتقدون الأوضاع في مصر "لم يعد يمكنهم العمل فيها.. وبذلك صارت الأضرار البيئية الآن تحدث في الظلام".

ويستطرد: "كل من ينتهك الأحكام ويسعى إلى إشعال الأنوار ليبدد الظلام الدامس ينتهي به الأمر في غياهب الزنازين أو حتى فيما هو أسوأ من ذلك".

ووفق تقرير "ذي إنترسبت"، فإنه "على غير ما جرت العادة في قمم المناخ الأخرى، فيما يتذكر الناس، لن تشهد هذه القمة حضوراً لحلفاء محليين حقيقيين، سوف يتواجد في القمة بعض المصريين ممن يدعون أنهم يمثلون المجتمع المدني".

ولعل بعضهم صادق في زعمه ذاك، إلا أن المشكلة هي أنهم، ومهما حسنت نواياهم، يتحولون إلى "لاعبين حقيرين" في برنامج "تلفزيون الواقع" الذي يقدمه "السيسي" على شاطئ البحر، مع التنويه إلى أنهم جميعاً، وفي مخالفة للقواعد والأحكام العامة للأمم المتحدة، خضعوا جميعاً لتدقيق الحكومة وموافقتها.

وحسب المواضيع المرحب بها بالنسبة للنظام المصري، فهي "جمع القمامة، إعادة التدوير، الطاقة المتجددة، الأمن الغذائي، والتمويل المناخي".

في المقابل، فإن المواضيع غير المرحب بها، هي "تلك التي تشير إلى إخفاق الحكومة في حماية حقوق الناس من الأضرار التي تسببها المصالح التجارية الكبرى، بما في ذلك القضايا ذات العلاقة بالأمن المائي، والتلوث الصناعي والأضرار البيئية الناجمة عن قطاع العقارات، والتنمية السياحية والتجارة الزراعية،" وذلك بحسب ما ورد في التقرير.

ومن المواضيع غير المرحب بها كذلك: "الأثار البيئية للنشاطات الواسعة والمبهمة التي يمارسها الجيش في المجال التجاري، وهذه بالذات على درجة عالية من الحساسية، وكذلك أيضاً مشاريع البنية التحتية على المستوى الوطني مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وهي مشاريع يرتبط كثير منها بمكتب الرئيس وبالجيش."

كما لا يجوز بحال أن تتحدث عن التلوث البلاستيكي الذي تسببه شركة "كوكاكولا" أو عن كميات المياه التي تستهلكها، لأن "كوكاكولا" واحدة من الرعاة الرسميين، بكل فخر، للقمة.

ووفق "ذي إنترسبت"، لا يمكن وصف استضافة القمة بأقل من كونها صفقة مربحة بالنسبة لـ"السيسي"، الرجل الذي يقال إن الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" وصفه ذات مرة بالقول إنه "دكتاتوري المفضل".

ومن ذلك الهبة التي ستحظى بها السياحة الساحلية التي كانت قد انهارت في السنوات الأخيرة، ومن الواضح أن النظام يرجو أن تساهم مقاطع الفيديو التي تظهر فيها مناظر المستحمين الأماكن العامة والممتطين لظهور الجمال في تشجيع المزيد من السائحين.

ولكن لا يمثل ذلك سوى البداية في هذا السباق المحموم نحو نيل أكبر قدر من الذهب باسم الحفاظ على البيئة وحماية المناخ.

وإذا كانت قمة السنة الماضية في غلاسكو لا تعدو كونها ثرثرة في ثرثرة في ثرثرة، فإن معنى القمة التي نحن بصددها، وحتى قبل أن تبدأ، أكثر شؤماً، فهذه القمة تتعلق بالدم، فالدم، ثم الدم.

وتابع التقرير: "إنها دماء ما يقرب من ألف متظاهر ذبحتهم القوات المصرية لكي تضمن أن تؤول السلطة إلى حاكمها الحالي، إنها دماء من مازالوا يتعرضون للاغتيال، إنها دماء أولئك الذين يتعرضون للضرب المبرح في الشوارع أو يتعرضون للتعذيب داخل السجون، إنها دماء ناس من مثل الناشط علاء عبدالفتاح".

ولما وردت الأخبار التي تفيد بأن قمة المناخ التي تنظمها الأمم المتحدة سوف تنعقد في مدينة شرم الشيخ، كان بإمكان النشطاء المصريين داخل البلاد وخارجها مطالبة النشطاء في حركة المناخ بمقاطعتها.

ولكنهم اختاروا ألا يطلبوا منهم ذلك، وذلك لأسباب متنوعة. ولكنهم طالبوهم بالتضامن معهم.

فعلى سبيل الماثل، دعا معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى استخدام القمة "لتسليط مزيد من الضوء على الجرائم التي ترتكب في مصر وحث السلطات المصرية على تغيير المسار".

كانت تعقد آمال كبيرة على أن يبادر النشطاء في أمريكا الشمالية وفي أوروبا بالضغط على حكوماتهم حتي تشترط على مصر مقابل حضورهم ومشاركتهم في القمة أن تفي الحكومة المصرية بمتطلبات أساسية في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك العفو عن سجناء الضمير الذين يقبعون في السجون لا لجرم ارتكبوه سوى ما يتهمون به من مثل تنظيم المظاهرات أو نشر تصريح يذم النظام أو بحجة تلقي منح مالية من الخارج.

وحتى الآن، ومع بقاء أقل من شهر على موعد بدء القمة، لا تكاد تسمع صوتاً من داخل حركة المناخ العالمية رداً على مطالبتها بالتضامن مع نشطاء مصر.

وهناك الكثير من المجموعات التي أضافت اسمها إلى بعض العرائض، ولقد نشرت بضع مقالات حول وضع حقوق الإنسان في مصر أثناء القمة.

ونظم نشطاء المناخ في ألمانيا، وكثيرون منهم مغتربون مصريون، تظاهرة احتجاجية صغيرة رفعوا فيها يافطات كتب على بعضها "لا لقمة كوب 27 حتى يتحرر من أسره علاء عبدالفتاح"، وكتب على البعض الآخر: "لا لغسيل آثام السجون المصرية باسم الحفاظ على البيئة." ولكننا لم نر شيئاً يمكن أن يرقى إلى مكا يمكن أن يعتبر ضغطاً دولي قد يؤرق الحكام في مصر.

وتصعب المبالغة في الحديث عن الطبيعة الجمعية للحرب التي يشنها "السيسي" على منظمات المجتمع المدني.

تقول منظمة "هيومن رايتس ووتش": "في عام 2014 عدل السيسي، بمرسوم رئاسي، قانون العقوبات الجزائية بحيث غدا ممكناً إنزال عقوبة الحبس المؤبد أو الإعدام بأي شخص يطلب أو يتلقى أو يساعد في تحويل الأموال، سواء من مصادر أجنبية أو من قبل منظمات محلية، بهدف القيام بأعمال تضر بالمصلحة الوطنية أو باستقلال البلاد أو تقوض الأمن العام أو السلامة".

ويعلق "ذي إنترسبت": "تصوروا، عقوبة الإعدام لمن يتلقى منحة مالية، وبالرغم من ذلك سوف تتواجد جميع المؤسسات المانحة في الولايات المتحدة وفي أوروبا في شرم الشيخ، وهناك سوف يلتقون بالمجموعات التي يمولونها وسوف يلتقون بمجموعات أخرى قد ينظرون في أمر تمويلها، داخل بلد من يتلقى شيئاً من ذلك المال حتى يصدع بالحق حول ما يجري من إفساد للبيئة في مصر قد يكلفه ذلك حياته".

وفي حين تعهدت مصر بالسماح بوجود احتجاجات خلال انعقاد القمة، وإن كان ذلك في منطقة مخصصة منفصلة عن مكان المحادثات نفسها، فقد أعرب نشطاء حقوقيون مصريون بشكل متزايد عن مخاوفهم من أن المتظاهرين والمجتمع المدني سيواجهون خطرًا  على أنفهسم حال قرروا  التعبير عن حقهم في الاحتجاج.

وفي 12 يوليو/تموز الجاري، أصدرت 36 منظمة حقوقية مصرية ودولية، بيانا طالبت فيه القاهرة بوضع حد لحملة القمع ضد منظمات المجتمع المدني والاحتجاجات السلمية؛ وذلك من أجل إنجاح قمة المناخ "كوب 27".

جدير بالذكر أنه تم اختيار مصر رسميا لاستضافة النسخة 27 من مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ خلال مؤتمر جلاسكو الذي عقد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

وتجمع القمة الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، بالإضافة إلى آلاف الخبراء والصحفيين، وممثلي الشركات، والمجموعات غير الحكومية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قمة المناخ مصر حقوق الإنسان السيسي

مصر تسمح باحتجاجات سلمية خلال قمة المناخ بشرم الشيخ

قمة المناخ المقبلة تضع مصر في مواجهة حقوقية وتظاهرات دولية

مصر تكشف عن تعاون مع الإمارات حول المناخ

مقام بمكان شديد الرقابة.. ناشطون يحذرون من تقييد مشاركتهم بمؤتمر المناخ في مصر

كيف تفاعل مصريون مع تصريحات السيسي خلال المؤتمر الاقتصادي؟

أطول كلمة للسيسي منذ سنوات.. اعتراف بالتدهور و"أنا الدولة والبطل" وانتقاد للأزهر

إعلام عبري: رئيس وزراء إسرائيل سيشارك في قمة المناخ بمصر

بعد الملك.. رئيس وزراء بريطانيا لن يحضر قمة المناخ في مصر

كاتبة بريطانية: مصر على حافة ثورة وغياب الملك تشارلز عن قمة المناخ ضربة للسيسي

واشنطن بوست للمشاركين في قمة المناخ: لا تتغافلوا عن الطاغية السيسي وسجنائه