مصر تدعم جهود مكافحة تغيير المناخ في الخارج وتحاربه بالداخل.. ما القصة؟

الاثنين 7 نوفمبر 2022 12:28 م

يمكن اعتبار "كوب 27" مؤتمر تجميل كوارث مصر البيئية؛ حيث يكشف عن تناقض لافت في سلوك سلطات هذا البلد العربي بين الترويج عالميا لدعمها جهود مكافحة تغيير المناخ، وبين ما يجري على أرض الواقع في الداخل المحلي من اقتلاع للأشجار وتصاعد التلوث والتضييق على نشطاء البيئة.

وعلى مدار 12 يوما، تستضيف مدينة شرم الشيخ المصرية، مؤتمر المناخ "كوب 27"، بمشاركة نحو 200 دولة، بينما تواجه مصر تحديات مناخية وبيئية كبرى تضعها ضمن قائمة موضوعات القمة العالمية.

وسيسلط "كوب 27"، الذي انطلق الأحد، أضواء الإعلام العالمي على مصر بشكل لم تشهده منذ أحداث الربيع العربي عام 2011.

وتأمل مصر، من خلال استضافة المؤتمر، في الحصول على دفعة من الشرعية الدولية، وكذلك "التمويل الأخضر".

وسعى الرئيس "عبدالفتاح السيسي" تدريجيا لإعادة مصر إلى الساحة العالمية، ووعد بعصر جديد يركز على التنمية في البلاد، رغم استمرار العوامل الاقتصادية غير المواتية التي أدت إلى تراجع نحو 35% من قيمة الجنيه مقابل الدولار منذ مارس/آذار.

ووفق "حفصة حلاوة"، وهي باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط، فإن "السبب الذي دفع المصريين إلى طلب استضافة كوب 27 هو الشرعية الدولية في المقام الأول".

وتضيف أن السلطات تريد أن تظهر أن مصر ليست دولة بعيدة عن مجريات الأمور، وأن لديها المقدرة والنفوذ الدبلوماسي والتأثير والوجود الأمني ​​لتكون دولة محورية.

وتقدم مصر نفسها على أنها مدافعة عن أفريقيا ودول نصف الكرة الجنوبي، مستندة إلى حملة دبلوماسية لكسب دول القارة السمراء في نزاع مع إثيوبيا بشأن سد "النهضة"، الذي تعتبره القاهرة تهديدا لإمداداتها من المياه.

وتضغط مصر من أجل "تحول عادل" في مجال الطاقة، يسمح للدول الفقيرة بالتطور الاقتصادي وتعزيز التمويل الرخيص لمواجهة آثار تغير المناخ، وتلبية مطالب الدول المعرضة للتأثر بالتغيرات المناخية بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة التي يسببها المناخ.

وتقول السلطات إنه منذ أن تقدمت مصر بطلب استضافة المؤتمر، ووقع الاختيار عليها باعتبارها الدولة الأفريقية الوحيدة التي أبدت رغبتها في استضافته، شرعت في دعم جهود المناخ الدولية؛ فأطلقت مبادرة "تحضر للأخضر" لنشر الوعي البيئي وتغيير السلوكيات، وحث المواطنين على المشاركة في الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية.

وكشف بيان حكومي أن المبادرة تتضمن الترويج لـ13 محمية طبيعية، والعمل على إعادة ربط السائحين بالمواقع البيئية في مصر؛ بهدف إعادة اكتشاف الطبيعة، وتعزيز أهمية الحفاظ على البيئة، إلى جانب تسليط الضوء على جميع أنواع الحياة البرية والتنوع النباتي والمناظر الطبيعية.

كما أعلنت القاهرة إطلاق "المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية"، والتي تقول الحكومة إنها مبادرة رائدة في مجال التنمية المستدامة والذكية للتعامل مع آثار التغيرات المناخية، من خلال وضع خريطة على مستوى المحافظات للمشروعات الخضراء الذكية، وجذب الاستثمارات اللازمة لها.

كما تم إطلاق مبادرة "الرئة الخضراء" التي تقوم على تحديد 9900 موقع في كل المحافظات تصلح لتكون غابات شجرية، أو حدائق، وتوفير الشتلات الزراعية وشبكات الري لها.

إلا أن ذلك كله لم يتم تنفيذه على أرض الواقع، في الوقت الذي يصف "وائل أبوالمجد"، الدبلوماسي المصري المخضرم والممثل الخاص لرئاسة "كوب 27"، المؤتمر بأنه "لحظة فاصلة"، لافتا إلى أن "الكل يدرك خطورة الوضع وحجم التحدي".

وتأمل مصر من خلال المؤتمر في التوقيع على مجموعة من الاتفاقات بشأن مجالات تشمل طاقة الهيدروجين الأخضر ومشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

في المقابل، يبدي البعض دهشته من أن مصر ستستضيف مثل هذا المؤتمر، بالنظر إلى انخفاض مستوى حماية البيئة والقيود المفروضة على نشاط المجتمع المدني.

فخلال الأشهر والسنوات الأخيرة، أزالت السلطات المصرية الكثير من المساحات من الحزام الأخضر في القاهرة والإسكندرية ومدن أخرى لحساب مشروعات عمرانية وسياحية وطرق كباري وأعمال تطوير استبدلت الحدائق والأشجار بمطاعم وأكشاك، دون مشاورة خبراء بيئيين؛ وهو ما عزّز مكانة القاهرة وموقعها كواحدة من أكثر مدن العالم تلوثا وأقلها خضرة.

وفي الفترة الأخيرة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورا للحديقة الدولية، إحدى أكبر المساحات الخضراء بالقاهرة وتحديدا منطقة مدينة نصر، بينما يدهس خضارَها ويجرّف جزءا منها إحدى الجرافات، التي جرى تداول صورتها في عمليات تجريف حدائق أخرى.

هذه الصور أشارت إلى دخول الحديقة الدولية دوامة الإزالة، الذي أصدر مجلس الوزراء بيانا ليضع لها مسمى آخر وهو "التطوير"، الذي ما أن يطول أي منشأة تراثية أو حديقة في مصر، يشير ذلك إلى تجريف أجزاء منها، وإفقادها روحها، وجعلها مكانا صالحا للكسب المادي، وإقامة مشروعات تجارية.

جرى ذلك في حديقة "المنتزة" في الإسكندرية، التي تم تجريف الكثير من أشجارها ونباتاتها وإقامة أكشاك ومطاعم ومناطق ترفيهية بأسعار باهظة بدلا منها، تنفيذا لاستراتيجية الدولة الحالية، القائمة على تحقيق أكبر أرباح ممكنة من أي منطقة على أرض مصر يمكن أن تدر أرباحا.

ويشمل ذلك التوجه الحكومي الحدائق العامة، والسواحل على حدٍ سواء؛ فسواحل كثيرة تم ردمها أو نحرها، أو البناء عليه، بخاصة في مدن قد تواجه خطر الغرق؛ بسبب التغير المناخي خلال السنوات المقبلة.

وحصل ذلك في الإسكندرية؛ حيث تم بناء جسر على بعد أمتار من الساحل، وتم إلغاء شاطئ قديم وشهير كان مقصدا أساسيا للسياح، هو "البوريفاج".

وكذلك ما يجري بمنطقة الساحل الشمالي، والذي وصفه ناشطون بـ"الحلب المالي" إلى أقصى مدى ممكن؛ إذ يتم حاليا إنشاء مرسى يخوت في عمق البحر، وهو ما استدعى الكثير من أعمال التكريك والبناء بالمنطقة الشاطئية لقرى السياحية.

وبعدما استمرت عملية النحر لأكثر من عام بهدف تنفيذ مشروع سياحي، انتهى الأمر بتعكّر مياه البحر، وظهور مساحات واسعة من الأحجار والتربة ونضوب المياه عنها، وأصبح على أعتاب كارثة بيئية، حتى اضطرت وزارة البيئة المصرية إلى وقف الأعمال لتقدير الموقف.

وأعقب عمليات الحفر والتكريك بالساحل الشمالي، تعرض حرم البحر المتوسط للنحر، وتلوث المياه بالحجر الجيري، وتآكل نحو 10 أمتار، وامتلاء ساحل البحر بالمخلفات والملوِّثات بخليج سيدي عبدالرحمن الشهير؛ ما يعجّل في النهاية بغرق السواحل المصرية.

الأزمة البيئية والمناخية التي تتعرّض لها شواطئ الساحل الشمالي لم تكن نتيجة مباشرة- فقط- للأعمال الأخيرة، وإنما نتيجة لأعمال إنشاء القرى والمشروعات السياحية المستمرة هناك منذ سنوات، إضافة إلى التمدد العمراني، والاستثمار السياحي واسع المدى، في حرم البحر المتوسط.

كما لا يزال قطع الأشجار في مصر مستمرا، وسط تجاهل رسمي لخطورة ذلك على المديين القريب والبعيد، خاصة أن الكثير من تلك الأشجار التي تُزال نادرة وتاريخية، كالأشجار المعمّرة بكورنيش منطقة العجوزة في مدينة الجيزة المتاخمة العاصمة القاهرة، وقطع الأشجار التاريخية في منطقة المنتزة التاريخية بالإسكندرية، وكذلك هدم حدائق المنصورة المعروفة بـ"عروس النيل" و"صباح الخير" و"هابي لاند" الأقدم بمحافظة الدقهلية شمالي البلاد؛ لإنشاء مشروع سكني يحمل اسم "تحيا مصر المنصورة".

ودافعت وزيرة البيئة المصرية السابقة "ياسمين فؤاد" عن قطع الأشجار بقولها إن "قطعها لتوسيع الطرق أكثر فائدة من الإبقاء عليها"؛ لتنال العديد من تغريدات السخرية والاعتراضات في وسم "أوقفوا قطع الأشجار".

وتضاعف تلك الإزالات المأساة المناخية؛ فيوميا يُفاجأ سكان منطقة في مصر بمجزرة أشجار جديدة، بدأت بحي مصر الجديدة التاريخي، الذي أزيلت أغلب أشجاره القديمة لإقامة 5 كباري، ليفقد الحي ما يتراوح بين 2500 و3000 شجرة، وفقا لتقديرات غير رسمية، وبعضها أشجار مميزة.

ثم امتدّت الإزالات إلى مدينة نصر لتتخلص من أشجار نادرة أخرى.

وفي مدينة الإسماعيلية شرق القاهرة، أُزيلت أشجار يصل عمرها إلى 200 سنة من شارع محمد علي.

وفي الإسكندرية، أزيلت أشجار حديقة الخالدين، التي أنشأت في الأربعينات من القرن الماضي؛ لتتحول إلى أكشاك وجبات سريعة ومياه غازية.

ولم تكن المبررات الحكومية للاعتداء على كم مهول من الأشجار، سوى ادّعاء التطوير بمعناه الرسمي الحالي، وهو إضفاء المزيد من التجارية على مناطق تراثية أو حدائق عامة، دون وجود إستراتيجية حقيقية للاحتفاظ بالأشجار أو إعادة زراعتها، خاصة أن الطريقة التي يتم بها قطع الشجرة من جذورها -في معظم الحالات- تنهي حياتها، بحيث لا تسمح بإعادة زراعتها مرة أخرى.

ويقول "أحمد الدروبي"، المدير الإقليمي للحملات في "جرين بيس" الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن المساحات العامة والخضراء أمر ضروري "وتقريبا هي من حقوق الإنسان بالمفهوم الواسع، ليس فقط على المستوى البيئي من امتصاص لثاني أكسيد الكربون وخفض لدرجة الحرارة، وإنما أيضا على المستوى الاجتماعي كأماكن لممارسة الأنشطة وتأثيرات ذلك على الصحة النفسية أيضا".

ويضيف "الدروبي" أنه حول العالم يوجد توجه في المدن التي قامت بإنشاء الطرق السريعة داخل المدينة، يقوم على أن تتم الإزالة ثم الاستبدال بمساحات خضراء وعامة وتقوية شبكات المواصلات العامة.

ويلفت إلى أن كل ذلك لم يحدث في مصر.

ويقول "الدروبي" إن "هناك مشكلة جذرية وهي عدم تنسيق الاستراتيجيات في الجهات الحكومية المختلفة والعمل يسير من دون رؤية واسعة لقضايا البيئة والمناخ، وهذه مشكلة تاريخية في الدول النامية بوجه عام".

ويتابع: "من الضروري أن يكون هناك وعي ومعايير بيئية في كل مشروع يتم في مصر، لكن للأسف هذا الأمر غائب لدى الكثير من الإدارات والمصالح الحكومية؛ الأمر الذي نتج عنه إزالة مناطق خضراء وأشجار وحتى مباني تاريخية".

ويشير خبراء المناخ والبيئة إلى أن قطع الأشجار وتراجع المساحات الخضراء يعد أحد أسباب التغير المناخي من خلال تدني معدلات هطول الأمطار؛ الأمر الذي يؤثر سلبا على الإنتاج الزراعي والمياه الجوفية.

ويقول الخبراء إن من الأسباب أيضا زيادة قسوة موجات الحر مع تراجع المساحات الخضراء والظلال التي تشكلها الأشجار؛ ما يرفع من درجات الحرارة بشدة في المناطق التي تخلو من الأشجار، كما يؤدي قطع الأشجار إلى انخفاض الرطوبة الجوية ما يؤدي لطقس أكثر تطرفا.

في الوقت نفسه، فإن رغبة المستثمرين في الربح وتحقيق أفضل عوائد مالية من الاستثمار السياحي تدفعهم إلى ارتكاب جرائم بحق البيئة والمناخ.

ويتكامل مع شهوة الربح لدى المستثمرين العاملين في مجال السياحة، السعي الرسمي إلى التوسع الأفقي وبناء المدن الجديدة "دون دراسة جدوى" كما يبدو، بخاصة أن معظم المدن التي انتهى بناؤها لا تزال مهجورة؛ وهو ما دفع الحكومة المصرية للتقدم في بناء مدينة الجلالة، التي تُبنى أعلى هضبة الجلالة بمحافظة السويس شرق القاهرة، فوق أكثر من نصف كيلومتر فوق سطح الأرض.

ويجد بناءُ مدينة فوق جبل الكثير من الملاحظات والانتقادات، خاصة أن مصر لا تملك سوى القليل من الجبال، وهو ما يهدد التنوع البيئي والجيولوجي.

وقد أثّر ذلك بمرور الوقت على الحياة البرية بتلك المناطق، وتحديدا حياة الطيور المهاجرة، التي كانت تعتبر هضبة الجلالة "نقطة عبور واستراحة"، لا سيما أن الجلالة كانت ممرا لهجرة نحو مليون ونصف المليون طائر سنوياً.

كما يواجه مشروع تطوير "التجلي الأعظم" في منطقة سانت كاترين في جنوب سيناء ملاحظات أخرى؛ إذ يستهدف تحويله إلى منطقة سياحية عالمية للسياحية الدينية، بينما أدّت عمليات الهدم والبناء فيه إلى الجورِ على الحياة البرية والطبيعية والبيئة في تلك المنطقة، والكثير من الآثار السلبية، وفي مقدمتها هدم ملاذات الطيور والحياة البرية لبعض الكائنات الحية، وزيادة التلوث بالمنطقة.

وبسبب معدلات البناء العالية، التي تحرص عليها مصر، ما بين وحدات سكنية ومدن جديدة وعقارات، تتضاعف صناعة الإسمنت، الذي يعد من أكثر العوامل المساهمة في التدهور البيئي في مصر.

ولاستيعاب الطلب الكبير، ارتفعت الطاقة الإنتاجية للأسمنت المصري خلال السنوات الثلاث الماضية من 85 مليون طن إلى 87 مليون طن سنويا، برغم المحاولات الحكومية لاحتواء التأثير البيئي المُهلك لهذا القطاع الصناعي، عبر اقتراح تخفيض إنتاج المصانع بنسبة 10%، إلا أن المصانع لم تتجاوب مع المقترح، كما أن الرقابة الواهية تخلق الكثير من المخالفات، بخاصة أن صناعة الإسمنت ليست بالشفافية المطلوبة، بحسب القواعد العالمية.

ووفق تقارير حقوقية، فإن المصانع المصرية لا تتخذ التدابير اللازمة لمنع انبعاثات الغلاف الجوي، أو التخلص من النفايات الخطرة بطريقة لا تضر البيئة والسكان.

وغالبا، ما تخالف المصانع جميع القواعد والقوانين وتنتهك البيئة، ويصبح إثبات مخالفاتها صعبا للغاية؛ لتقديمها وثائق وأوراق تؤكّد قانونية عملها.

وبالتزامن، ركز تقرير "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" (غير حكومي)، على خطورة مخلفات البلاستيك في مصر.

واستعرض التقرير الأرقام الصادمة في هذا الملف، ومنها تقرير صادر في سبتمبر/أيلول 2021، كشف أن قيمة الاستثمارات التي يتم ضخها في صناعة البلاستيك في مصر تصل إلى 7.2 مليارات دولار، بقيمة إنتاجية سنوية تصل إلى نحو 16.6 مليار دولار.

ووفقا لدراسات أعدتها وزارة البيئة، فإن مصر تنتج نحو 16.2 مليون طن من النفايات سنويا، وتشكل مخلفات البلاستيك نحو 6% منها، ويبلغ الاستهلاك المحلي السنوي نحو 12 مليار كيس بلاستيكي أحادي الاستخدام، وكلها تهدد الحياة البرية والبحرية.

وقالت الدراسة إنه يتم تدوير نحو 45% من مخلفات البلاستيك، وإعادة استخدام 5% منها، فيما يُحرق نحو 50% من النفايات البلاستيكية في الهواء الطلق؛ ما يمثل خطرا محدقا بالبيئة المحيطة، ويخلف زيادة في أمراض السرطان، والأمراض التنفسية.

وسبق أن كشف تقرير للبنك الدولي أن مصر تحتل المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تلويث البحار بالبلاستيك، والمركز السابع على مستوى العالم، وأنّها مسؤولة عن نحو ثلث إجمالي المخلفات البلاستيكية التي تتدفق إلى البحر المتوسط.

وتعد وسائل النقل والمواصلات القطاع الأكثر تلويثا للبيئة في مصر.

وأوضح تقرير صادر عن وزارة البيئة المصرية مؤخرا أن نسبة تلوث الهواء تجاوزت الحد المسموح في القانون، وأن سكان المدن الكبرى يتعرضون لمستويات مرتفعة من التلوث بالجسيمات الدقيقة العالقة.

ووفق تقرير للبنك الدولي، فإنّ نحو 40% من انبعاثات قطاع النقل في مصر صادرة عن منطقة القاهرة الكبرى، والتي تضمّ نحو نصف إجمالي المركبات في البلاد.

كما كشفت دراسة حديثة لمنظمة الصحة العالمية أن العاصمة القاهرة كانت ثاني أكبر مصدر لتلوث الهواء خلال الفترة من عام 2011 إلى 2015.

ويشير أطباء، وخصوصا في أمراض الصدر، إلى أن تلوث هواء القاهرة يعد أحد الأسباب الرئيسية في الإصابة بأمراض خطيرة كالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي المختلفة والرمد وغيرها، وأن أكثر المتأثرين بهذا التلوث هم الأطفال.

ولأجل التعتيم على ذلك التوجه الذي تنتهجه الحكومة المصرية لانتهاك البيئة والإضرار بجهود احتواء التغير المناخي، يشدّد النظام المصري قبضته على العمل المستقل والتقارير غير الحكومية بشأن البيئة والمناخ، وتحيطه بالكثير من العقبات البيروقراطية والأمنية لتعطيل عمل المنظمات المستقلة العاملة بالمناخ والبيئة، أو إصدار التقارير حول الانتهاكات البيئية في مصر.

ويبدو من مراقبة النشاط المدني في مجالي البيئة والمناخ طوال السنوات الماضية أن العمل المستقل شبه متوقّف، كحال جميع منظمات المجتمع المدني والجماعات المستقلة العاملة بالشأن الاجتماعي والسياسي.

وفي حين أن هناك هامشا من التسامح مع العمل البيئي، فإن القضايا الكبيرة مثل الأمن المائي والتلوث الصناعي والأضرار الناجمة عن السياحة والأعمال التجارية الزراعية والتطورات العقارية الكبيرة، لا يمكن المس بها، وفقا لمنظمة الصحة العالمية ونشطاء.

وتفاقمت حملة القمع على المجتمع المدني منذ تولي الرئيس "عبدالفتاح السيسي" السلطة عام 2013، وإهدار المكاسب الديمقراطية التي تحققت خلال انتفاضة الربيع العربي، وقمع الاحتجاجات بعنف واعتقال المعارضين السياسيين.

وأدى الوضع الحالي إلى تحويل النشاط المناخي في مصر لأن يصبح مهمة محفوفة بالمخاطر، وفقا لتقرير أصدرته مؤخرا منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية.

وتحتل مصر المرتبة 168 من أصل 180 على مؤشر حرية الصحافة العالمي.

وأفادت منظمة "العفو الدولية" أنه رغم سلسلة قرارات العفو عن سجناء هذا العام، فإن آلاف السجناء السياسيين، بينهم إسلاميون ومعارضون علمانيون، ما يزالون محتجزين في سجون البلاد، في ظروف سيئة غالبا ودون محاكمة عادلة.

وبالعوة إلى المؤتمر، وفي إطار التضييق على منظمات البيئة، واجه ناشطون عقبات غير مسبوقة في الحصول على الاعتمادات وإيجاد أماكن للإقامة؛ ما حدّ من تمثيل المجتمع المدني، بل وعرقل النتيجة المرجوة للقمة ككل.

مثل هذه القيود، دفعت الناشطة السويدية البارزة "جريتا ثونبرج"، التي أعربت عن تضامنها مع السجناء السياسيين المصريين، إلى التغيب عمّا أسمته مؤتمر "الغسل الأخضر".

وفي هذا الصدد، قالت حركة "فرايدي فور فيوتشر" إن "عدد الاعتمادات المتاحة لحضور المؤتمر محدود للغاية والتكاليف باهظة، بشكل خاص للناشطين الشباب من الدول النامية"، مقدرة أن حضور "كوب 27" سيكلف كل ناشط نحو 7000 دولار.

الحركة أطلقت جهدا لتمويل جماعي من أجل إرسال 75 ناشطا من أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وأوقيانوسيا إلى المؤتمر، لكنها لم تتمكن من جمع سوى 19 ألف دولار، وهو مبلغ لا يكفي سورى لإرسال 3 أشخاص.

ولا تقتصر المعاناة على النشطاء الشباب من الدول الفقيرة لحضور "كوب 27"؛ إذ تلقى مدير مركز أبحاث غربي كان حجز ودفع ثمن الإقامة في فندق 5 نجوم في شرم الشيخ قبل أشهر، إخطارا مفاجئا بأن الأسعار ستزيد 4 أضعاف بناءً على توجيه حكومي.

وأفصح في حديث، شريطة عدم الكشف عن هويته لتجنب التداعيات، أن منظمته وجدت أماكن إقامة بديلة، حتى لو كانت أقل ملاءمة، رغم أن العديد من الجهات التي يتواصل معها فقدت إمكانية حضورها نتيجة رفع الأسعار.

ويقول الناشط الباكستاني "برفيز علي" (19 عاما) الذي يعمل في منظمة "فرايدي فور فيوتشر"، ونجح في الحصول على الاعتماد والأموال اللازمة للمشاركة: "سيؤثر العدد القليل من النشطاء على النتائج المرجوة، وعلى المناقشات العادلة والحرة للقمة.. إذا لم تسمحوا للنشطاء الذين تعاني بلدانهم من عواقب تغير المناخ بسرد قصصهم، فأنتم تخفون الحقيقة عن العالم".

وبالنسبة للنشطاء المصريين، فإن الوضع يمثل تحديا أيضا؛ فشرم الشيخ هي مدينة سياحية في شبه جزيرة سيناء، تكاد تكون مخصصة بشكل حصري للسياح والمؤتمرات.

وتقع شرم الشيخ على بعد أكثر من 500 كيلومتر من العاصمة القاهرة، وهي محاطة بمساحات قاحلة من الصحراء؛ ما يسهل على الحكومة تأمينها، ويصعب على النشطاء الدخول إليها.

وحسب "عمرو مجدي"، الباحث البارز في "هيومن رايتس وتش"، شهدت الأسابيع القليلة الماضية توقيف أشخاص متجهين إلى شرم الشيخ في المطارات ونقاط التفتيش على الطرق واستجوابهم وإجبارهم على العودة.

كما تلقى "مجدي"، وهو مصري مقيم في ألمانيا، نصيحةً بعدم السفر إلى بلاده لحضور "كوب 27".

ورغم أن عمليات التفتيش الأمنية ليست غير عادية في سيناء، حيث قُتل سائحون في هجمات نفذها متشددون إسلاميون، بما في ذلك تفجير طائرة عام 2015، يقول نشطاء المناخ إنهم يتعرضون للاستهداف.

ويرى "مجدي" أن "كل مواطن مصري يجب أن يكون قادرا على المشاركة، لكن هناك الكثير من القيود؛ فمن يقوم بذلك سيخضع للمراقبة عن كثب من قبل الأجهزة الأمنية، ما يعيق حريتهم في التحدث علانية".

ويتابع: "نشعر بالقلق إزاء المراقبة خلال القمة؛ فالأجهزة الأمنية تسيطر على كل شيء ، وهي شديدة الصرامة في مصر".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قمة المناخ قطع أشجار المناخ السيسي حقوق الإنسان

رغم اقتراب قمة المناخ.. الحكومة المصرية تجرف أشجارا لإقامة مطعم عائم وموقف سيارات

مؤتمر المناخ: هكذا عززت حرب أوكرانيا موقف دول الخليج بشأن الوقود الأحفوري

تسرب لمياه الصرف مكان انعقاد قمة المناخ بمصر.. والمشاركون يقفزون لتجاوزها (فيديو)

شركة أمريكية تتولى مسؤولية تجميل صورة مصر في قمة المناخ.. تعرف عليها