الأراضي البيضاء ... السكن المسلوب وألاعيب تجار الرمال (1-2)

الجمعة 19 سبتمبر 2014 05:09 ص

إشكالية الحصول على سكن عائلي احتلت المرتبة الأولى طوال الأسبوعين الماضيين وسط مجالس وأحاديث المجتمع السعودي، ولم يعلُ على مناقشة هذا الملف أي حديث آخر بين بقية مطالب طوال الأعوام الخمسة الأخيرة، ولما لا .. فأغلب أفراد المجتمع السعودي لا يمتلك ما يقارب ثلاثة أرباعهم مساكنهم وآخر إحصاءات وزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية فإن 60% من السعوديين يسكنون في بيوت بالإيجار.

كثير من كتاب الرأي والناشطين عبر وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية يدعون إلى فك احتكار الأراضي والشبوك لحل أزمة السكن في البلاد، في ظل ارتفاع سعر العقارات بشكل جنوني  ويتساءلون بصوت عال عن مصير خطة التنمية العاشرة بمحور قضايا الإسكان والإصلاح ومكافحة الفساد في برنامج مجلس الوزراء السعودي، في ظل شقاء ومعاناة شريحة عريضة من لظى ارتفاع تكلفة الإيجارات حتى وصل استقطاعها بالنسبة للكثير من أرباب الأُسر ما يقارب الـ 80%. 

أحد أبرز الحلول التي يراها المجتمع مخرجا يجب أن تتبناها وزارة الإسكان جاء على لسان الكاتب الصحفي «عبدالحميد العمري» مطالبا بفرض رسوم على أصحاب الأراضي البيضاء لتوفير سيولة مالية تسمح ببناء وتجهيز مدن سكنية تستوعب ضغط الأسعار اللاهبة للإيجارات بفعل ولغة المصالح المتبادلة بين تجّار التراب، وملاك الشقق والمساكن أو إزاحة الملف بعيدا عنها تارة في ملعب المجلس الاقتصادي وتارة أخرى في ساحة هيئة كبار العلماء للهروب من استحقاقات المرحلة الحرجة التي يمر بها المجتمع السعودي .

المراقبون للجدال الدائر حول إشكالية السكن في المجتمع السعودي صدموا وأصيبوا بحرج سياسي واجتماعي من أراء رصينة نجحت في وضع مقارنة بين المجتمع السعودي وغيره من المجتمعات الأوروبية في قضية السكن في ظل اتساع مساحة السعودية التي تعادل مساحة إنجلترا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال مجتمعة، والتي بلغ تعداد سكانها مجتمعة بنهاية 2013 نحو 327 مليون نسمة، مقابل تعداد سكاني للمملكة سعوديين وغير سعوديين بنهاية العام نفسه لا يتجاوز 30 مليون نسمة! ويصدمك أكثر؛ أن أيا من تلك الدول رغم كثافة عدد سكانها وصغر مساحتها مقارنة بالمملكة، لا يوجد فيها حتى 1% من أزمة الإسكان التي تواجهها المملكة في الوقت الراهن!

آخرون ينظرون للإشكالية من زاوية أراض بيضاء يتم تداولها وتدويرها بين المقتدرين وأصحاب الثروات، بحثا عن تحقيق مكاسب سعرية لا تقدم أي منفعة تذكر للاقتصاد والمجتمع، وفي الوقت ذاته تسببت في استمرار وتيرة ارتفاع أسعار الأراضي في المملكة، ما أوصلها إلى سقوف سعرية مرتفعة جدا، أصبحت بعيدة المنال حتى على أصحاب الدخول الثابتة المرتفعة، فضلا عن متوسطي ومحدودي الدخل الذين لم يعد لديهم أي بارقة أمل في تملك قطعة أرض محدودة المساحة .

هيئة كبار العلماء أفردت اجتماعا واسعا بعدما تسلمت طلبا من وزارة الإسكان لإعطائها الرأي الشرعي حول فرض الرسوم المالية على الأراضي البيضاء ولم تخرج برأي نهائي وتأجل قرارها إلى حين، بينما خرج من بينهم رأيا معارضا للرسوم والغرامات جاء على لسان الشيخ «عبدالله بن سليمان بن منيع» عضو مجلس هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي، مؤكدا رفضه لفكرة الرسوم ومطالبا أصحاب الأراضي البيضاء إلى دفع زكاتهم عليها بمقدار 2.5% عن كل سنة، وإلا فإنهم يعتبرون كمن لا يقيم الصلاة، مشيرا في تصريحات صحفية إلى أن عليهم دفعها خصوصا إذا طلبها منهم ولي الأمر وأقرها، مؤكدا أن فرضها يعتبر الحل المناسب نظرا لاحتكار وتكدس الأراضي التي يحتاج إليها عامة الناس في البلد.

تصريحات «ابن منيع» يعتبرها البعض بالون اختبار للرأي العام السعودي.

وأشار «ابن منيع» إلى أن المعروف بتملك هذه الأراضي وتركها لسنوات طويلة تأتي ضمن «عروض التجارة»، مبينا أن دفع الزكاة من أصحاب تلك الأراضي أمر واجب عليهم، وإذا لم يخرجوا زكاتهم عليها فإنهم كمن يمتنع عن الصلاة والعياذ بالله.

معارضون لرأي «المنيع» جاء على لسان الأكاديمي الدكتور «طارق كوشك» المختص الاقتصادي وعضو هيئة التدريس في «جامعة الملك عبدالعزيز» متسائلا عن جدوى إحالة أمر فرض زكاة الأراضي البيضاء إلى هيئة كبار العلماء، إذ إن الجهات الرسمية في الدولة لم تحِل أمر نظام «ساند» إلى الجهات الشرعية قبل فرضه، وكذلك لم تستشر الجهات الحكومية الجهات الشرعية قبل فرض رسوم على استخراج جوازات السفر الخاصة بالمواطنين، وهو ما يشير لوجود رغبة من قبل المتنفذين لتعطيل القرار وإطالة أمد فرض النظام، وبالتالي عرقلة مشاريع وزارة الإسكان.

وشدد «كوشك» في تصريحات صحفية أن أمر فرض الرسوم على الأراضي البيضاء لا يتطلب فتوى أو إذنا شرعيا، بل يتطلب قرارا سياديا من الحكومة.

وأشار إلى أن النظام إذا ما فرض، فلن يكون هناك من يلزم تطبيقه على المتنفذين في الدولة، والذين لا يملك أحد سؤالهم أو طلبهم الأموال المستحقة عليهم، خصوصاً في ظل عدم وجود الشفافية الكافية في عرض قوائم الأشخاص الذين تجب عليهم الزكاة، ومقدار الأموال الواجبة عليهم، وهنا يجب على ولي الأمر في الدولة التدخل بسحب المنح الحكومية لهؤلاء لصعوبة فرض الرسوم عليهم، أما إن كانوا قد اشتروها من أحد عندها تستطيع الدولة شراءها منهم.

وأبان «كوشك» أن الآثار السلبية من عدم تطبيق النظام هي استمرار ارتفاع الأراضي لأسعار جنونية نظراً لشحها واتساع رقعة المخططات العشوائية داخل المدن، ما يكلف الدولة ميزانيات مرهقة لمد خطوط البنى التحتية من مياه ومجار وخطوط نقل وطرق أسفلتية وغيرها، مستشهدا بأن سكان «جيزان» رفضوا الإسكان المقدم من الوزارة، على الرغم من حاجتهم له، لأنه يبعد عن المدينة 70 كيلو، إذ إن الوزارة لم تجد إلا الأراضي القصية خلف الجبال لبناء المساكن الحكومية عليها، وهو ما يكلف ميزانيات مضاعفة لمد أنابيب المياه والكهرباء إليها.

وعن الأموال المحصلة، ذكر «كوشك» أن الطريقة المثلى لصرف تلك الأموال هي أن تتوجه لوزارة الإسكان ليتم صرفها على مشاريع الإسكان الجديدة، مشيرا إلى أن جميع الدول التي نجحت في حل أزمة السكن فيها، تفرض رسوما تصل إلى 30% من القيمة مقابل السماح للوارثين بالتصرف في إرث آبائهم، فيما تراوح قيمة الضريبة السنوية بين 2 و10% من قيمة البيت، لتذهب للخدمات الاجتماعية والبلدية، وذلك بحسب حجم المنزل.

رئيس لجنة التثمين العقاري في غرفة جدة «عبد الله الأحمري» أكد إن تطبيق الرسوم سيخفض الأسعار الحالية للعقار لمعدلات تتجاوز 30%، وسيمكن وزارة الإسكان من إيجاد مخططات وأراض داخل النطاق العمراني للمدن لتبني عليها مشاريعها المهمة بدلا من قبول البناء على أراض تبعد عن النطاق العمراني، وقد لا يقبل بها المواطنون.

طالع: فيلم مونوبولي ... عن أزمة السكن والأراضي البيضاء في السعودية

 

الحلقة القادمة: حسم الجدال الفقهي بين الزكاة الواجبة على الأراضي البيضاء ومفهوم الرسوم المعاصرة

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الشبوك الأراضي البيضاء السعودية

الحضيف لمحتكري الأراضي البيضاء: كيف تعيش وحولك مئات الألوف بلا سكن؟

عضو «كبار العلماء»: من يمتنع عن زكاة الأراضي البيضاء كمن لا يقيم الصلاة

من يعلِّق جرس الأراضي البيضاء؟

جدال فقهي وقانوني حول "فرضية" الزكاة أم "نظامية" الرسوم

لجنة لدراسة تأثير فرض رسوم الأراضي البيضاء على الاقتصاد السعودي

«صندوق النقد الدولي»: نسبة تملك السعوديين للمساكن لا تتجاوز 36%

رغم الدعم الحكومي وضعف الطلب أسعار العقارات في السعودية لا تنصاع للمعادلات التجارية

«التعديات» تطلب مشاركة «الحرس الوطني» و«إدارة المجاهدين» لانتزاع الأراضى بجدة

«مجلس الشورى السعودي» يصوت اليوم على وثيقة السياسة السكانية للمملكة

97% من السعوديين غير راضين عن أداء وزارة الإسكان

الكويت ودبي الأغلي خليجيا فى تكاليف السكن

نشطاء «تويتر» يرحّبون بخطوة وزارة العدل السعودية في هدم «الشبوك»

السعودية: هدم بيت مواطن في «الوسقة» يثير جدلا واسعا .. ونشطاء:«خطوة رائعة لإقامة شبوكهم!»

الإسكان.. مواطن ينتظر.. وأراضٍ تحتضر!!

وزير الإسكان السعودي: المشروعات لن تتأثر بأسعار البترول .. ورسوم الأراضي البيضاء قريبا

مجلس الوزراء السعودي يوافق على فرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني

فرض رسوم على «الأراضي البيضاء» يهوي بأسهم الشركات العقارية بالبورصة السعودية

رئيس دار الأركان السعودية: قرار فرض الرسوم لن يتسبب في انخفاض حاد في أسعار الأراضي

الصفقات العقارية تتراجع بنسبة 39% بسبب رسوم الأراضي البيضاء

الخبر المنتظر من «واس»!

805 ألف أسرة سعودية تسكن منازل شعبية بينما الأراضي البيضاء تكفي 7.5 مليون أسرة