الفلوجة تستغيث بزعماء الخليج: «أم المساجد» تموت جوعا

الأحد 3 أبريل 2016 04:04 ص

«إلى خادم الحرمين الشريفين وزعماء الخليج.. أنقذوا الفلوجة.. أم المساجد تموت جوعًا.. حسبنا الله ونعم الوكيل».. هذه كانت رسالة طفلة عراقية إلى العالم كله تطالب بإنقاذها وغيرها من الآلاف المحاصرين في مدينة الفلوجة. 

الرسالة التي ظهرت، أمس السبت، وانتشرت سريعا على مواقع التواصل الاجتماعي، لاقت موجة من التعاطف والألم، وسط مطالبات عاجلة للتدخل وإنقاذ الأبرياء الذين يُقتلون جوعًا في الفلوجة.

وظهرت الطفلة، التي قالت إنها من كركوك، حاملة مناشدة إلى خادم الحرمين الشريفين وزعماء الخليج، تُطالبهم بسرعة التوصل إلى وسائل فعالة تحفظ «ما تبقى من السنة في العراق».

وأوضحت الطفلة في مناشدتها أن الفلوجة «تُباد بصمت»، مؤكدة أن «القصف ما زال مستمرًّا على الأبرياء في المدينة»، خاتمة رسالتها بقولها: «أنقذوا الفلوجة.. أم المساجد تموت جوعًا.. حسبنا الله ونعم الوكيل».

ومنذ أكثر من عام تواصل السلطات العراقية فرض حصار على مدينة الفلوجة، وشن غارات على المدينة، بحجة القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية»، فيما وصفت منظمات حقوقية ما تتعرض له المدينة بأنه «إبادة جماعية».

الحصار أدى إلى افتقاد المدينة كافة مقومات الحياة، ومعاناتها من نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية، وتفشي الجوع والأمراض.

ومع دخول الحصار عامه الثاني، تقدر أعداد المدنيين العالقين في الفلوجة بنحو 100 ألف، جلهم من الأطفال والنساء والعجزة؛ حيث لم يجد الكثير منهم فرصة للنزوح من المدينة، بينما يخشى البعض الآخر أن تنتهي رحلة الخروج بالقتل أو الاختطاف على أيدي الميليشيات الشيعية، فضلا عن أن الوصول إلى بغداد يتطلب إيجاد كفيل وفق شروط السلطات.

وطبقا للإحصاءات التي يصدرها مستشفى الفلوجة، فإن المئات لقوا حتفهم خلال الأشهر الماضية جراء القصف الذي تنفذه القوات الحكومية وطائرات «التحالف الدولي» تحت ذريعة محاربة «الدولة الإسلامية».

صرخة استغاثة

أمس، أطلق أهالي الفلوجة، صرخة استغاثة، تدعو الحكومات العربية والإسلامية والعالمية والمنظمات الدولية، التدخل لوقف ما تتعرض له المدينة من «إبادة جماعية»، عبر حصارها ومنع إدخال الغذاء والدواء إليها، ما أدى إلى انتشار المجاعة بين مواطنيها.

ووصف أهالي الفلوجة في الصرخة التي أطلقوها من العاصمة عمّان، وتلاها أحد وجهاء المدينة «مكي نزال»، الظروف التي تعيشها البلاد اليوم بـ«الأسوأ عبر تاريخ العراق»، مؤكدين أن مدينتهم تتعرض منذ ثلاثة عشر عاماً، لكل أصناف الإبادة من حبس جماعي داخلها إلى حرب مدمرة استخدمت فيها كل الأسلحة المحرمة إلى حملات إعلامية تحرف واقعها.

وتابعت الرسالة: «منذ أكثر من سنتين والمدينة تتعرض لأعنف حملة إبادة بالبراميل والصواريخ من الأرض والجو»، إضافة إلى حصار على إدخال الغذاء والدواء يرافقه قطع الماء والكهرباء وحرمانها من أبسط مقومات الحياة حتى حلت بها المجاعة وصار أبسط أنواع الدواء غير متوفر.

واتهم أهالي المدينة، الأمم المتحدة وأعضاءها، بالحرص على بقاء مدينتهم تحت وطأة القتل والتدمير والتهجير والفوضى، مدللين على ذلك بعدم دعم المدنيين في سعيهم لحياة كريمة آمنة.

وتساءلوا في الصرخة التي يسلمونها إلى المنظمات العربية والإسلامية والدولية وسفارات الدول الأجنبية: «يتساءل الفلوجيون لماذا؟ أهو ثأر وانتقام من مدينة ثأرت لكرامتها وكرامة العراق؟ وإن كان الأمر كذلك أما كفى ما جرى؟».

وحمل أبناء الفلوجة، حكومات الدول والمنظمات والهيئات المعنية المسؤولية الإنسانية والأخلاقية والقانونية عن رفع الحصار عن المدينة، والسماح بإدخال المساعدات الغذاء والدواء.

كما طالبوا بفتح ممرات آمنة دائمة وفرض حظر جوي على طائرات الحكومة العراقية التي تقصف المدنيين العزل بالصورايخ والبراميل المتفجرة والمحرمة دولياً، حسب الصرخة التي أطلقوها، مقدرين عدد القتلى والجرحى نتيجة قصف طائرات الحكومة للمدينة بأكثر من عشرة آلاف مدني.

الحكومة لم تفعل شيئا

مفتي الديار العراقية الشيخ «رافع الرفاعي»، اتهم السبت، في مداخلة على قناة «الحدث»، الحكومة العراقية بأنها لا تفعل أي شيء لإغاثة أهالي الفلوجة، مشيرا إلى أنه «لا حجة للحكومة في تمرير المساعدات للفلوجة، وبإمكانها إيصالها جواً».

وأوضح أن الوضع الإنساني في مدينة الفلوجة المحاصرة بأنه «أكثر من أن يوصف»، مشيرا إلى أن أطفال الفلوجة يموتون جوعاً وما من مغيث.

وأضاف «الرفاعي»: «نحن ناشدنا كل الجهات.. الدينية والسياسية والدولية لكي تتحرك. نحن نناشد الإنسانية جمعاء وحتى الآن لا نجد آذاناً صاغية لإغاثة الفلوجة».

يشار إلى أن الأمم المتحدة، أعلنت الشهر الماضي، استعدادها لمساعدة أهالي الفلوجة إذا طلبت الحكومة العراقية ذلك. وقالت بعثتها في بيان: «هناك اهتمام أممي بالوضع الإنساني لأهالي الفلوجة».

كما أدان مجلس حكماء المسلمين، الجمعة، الأوضاع المأساوية المؤلمة التي تتعرض لها مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار، غربي العراق؛ نتيجة الحصار المفروض عليها منذ فترة، معتبراً الصمت على هذا «وصمة عار في جبين الإنسانية».

في الوقت الذي اتهم عدد من مثقفي وعلماء محافظة الأنبار، التي تقع ضمن حدودها مدينة الفلوجة، بينهم العلامة أحد أبرز علماء العراق «عبد المالك السعدي»، الحكومة العراقية بالامتناع عن إغاثة مدينة الفلوجة، وذلك في غضون إعلان البرلمان العراقي محافظة الأنبار منطقة «منكوبة».

وبحسب موقع «الجزيرة.نت»، أعلن المثقفون والعلماء في بيان من العاصمة الأردنية عمان، أن أكثر من عشرة آلاف قتيل وجريح من سكان المدينة سقطوا مؤخرا، ودعوا المجتمع الدولي للتحرك سريعا وإنقاذ سكان المدينة المحاصرة.

في الوقت الذي أعلن مجلس النواب العراقي، السبت، الأنبار محافظة «منكوبة»، وذلك على خلفية الخسائر الضخمة التي لحقت بمعظم مناطق أكبر محافظات العراق وسكانها بسبب تنظيم «الدولة الإسلامية» والمعارك المستمرة منذ أشهر.

كما دعا البرلمان الحكومة إلى «تخصيص أموال إضافية خارج إطار موازنتها الاتحادية لمواجهة الوضع» في المحافظة، التي كانت مناطقها مسرحا لمواجهات بين تنظيم «الدولة الإسلامية» والقوات الحكومية.

وتشهد الأنبار، التي تشكل 33% من مساحة العراق، منذ أكثر من سنة عمليات واسعة بين الجيش العراقي وتنظيم الدولة الإسلامية أدت إلى تدمير بنيتها التحتية بشكل كبير، بالإضافة لتدمير العديد من منازل المدنيين وتهجير مئات الآلاف من أهلها.

ووفق إحصاء أممي فإن أكثر من نصف مليون شخص نزحوا من الأنبار هربا من المعارك منذ الأول من أبريل/ نيسان 2015 فقط، يقيم معظمهم في مخيمات لجوء تفتقر لأبسط مقومات الحياة.

تحركات ومساع للإنقاذ

وفي محاولة منهم لإيصال أي مساعدات، لجأ مواطنون عراقيون إلى إرسال المواد الغذائية والأدوية عبر تخزينها بقوارير بلاستيكية وإلقائها في نهر الفرات.

القوارير، التي استهدف ملقوها أن تنجرف مع مياه النهر، كتب على بعضها رسائل لأهل الفلوجة الجوعى منها «أمانة يا فرات».

في الوقت الذي يستعد الهلال الأحمر القطري، لإطلاق نداء استغاثة إنساني لدعم احتياجات أهالي الفلوجة، ونقلت صحيفة «الراية»، أنه من المقرر إطلاق حملة إغاثة إنسانية تهدف لجمع مبلغ مالي، سيتم الإعلان عنه حينها، بهدف تقديم مساعدات إنسانية عاجلة، لأهالي الفلوجة، تشمل قطاعات الإيواء والصحة والمياه والإصحاح والأمن الغذائي.

وكان الهلال الأحمر القطري قد أطلق في يونيو/حزيران 2014، نداء إغاثة طارئ، وذلك بعد التدهور في الوضع الأمني والإنساني في العراق، وتمكن بالفعل من جمع مبلغ مليوني دولار أمريكي استفاد من خلالها أكثر من 30 ألف عراقي.

في الوقت الذي دشن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عدة وسوم لإنقاذ الفلوجة، منها: «الفلوجة تقتل جوعا»، و«مضايا الفلوجة القاتل واحد»، و«حصار الفلوجة»، مستنكرين تكرار ذات أساليب القتل المستخدمة في سوريا من حصار وتجويع، والتي ترقى إلى مستوى جريمة حرب في الفلوجة، كما تساءلوا كيف يعقل أن نكون في 2016 ونجد من يموت في مكان ما في هذا العالم، قهراً وظلماً وجوعاً.

كما اتهم النشطاء، الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بغض الطرف عن معاناة أهالي الفلوجة، وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لفك الحصار عنهم، وإيصال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية إليهم.

يشار إلى أن صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، شبهت في فبراير/شباط الماضي، الأوضاع في الفلوجة، بمدينة مضايا السورية، ونقلت عن مواطنين قولهم إن الأسعار تصاعدت ولجأ كثير من الناس إلى أكل الأعشاب والحشائش مثلما هي الحال في أزمة التجويع ببعض المدن والبلدات السورية.

«أحمد منصور» الإعلامي بقناة «الجزيرة»، كتب الأحد، في صفحته بـ«تويتر»: «مدينة الفلوجة تدفع ثمن انتصارها على الأمريكان والجيش الطائفي في العام 2004، ورغم حصارها وتدميرها، ستبقى عزيزة شامخة بأهلها وتاريخها ومآذنها».

و«الفلوجة» مدينة عراقية تقع ضمن محافظة الأنبار، وتقع على بعد 60 كيلومتر شمال غرب العاصمة بغداد، ويسكن فيها عشائر وأفراد من قبائل عربية تدين بالإسلام، ويطلق عليها لقب «مدينة المساجد» أو «مدينة المآذن» أو «أم المساجد»، لكثرة المساجد فيها.

ومعنى «الفلوجة» في اللغة، هي الأرض الصالحة للزراعة، حيث تتفتح تربتها حين يمسها ماء السماء عن خيرات الأرض.

ولم تشهد الفلوجة أعمال سلب ونهب عقب سقوط بغداد، إلا إنها اعترضت على تصرفات القوات الأمريكية عندما دخلت المدينة، قبل أن يسقط مسلحون فيها مروحية «شينوك»، ما أدى إلى مقتل 16 جندي أمريكي وجرح 26 أخرين، فضلا عن قتل 4 من حراس وموظفي شركة «بلاك وتر» الأمريكية في المدينة، وهو ما ردت عليه القوات الأمريكية بسلسلة من القصف المكثف انتقاما من أهالي المدينة، قبل الهجوم البري على المدينة، إلا أن  الجماعات المسلحة للمقاومة واصلت الاشتباكات مع القوات حتى أواخر عام 2007.

  كلمات مفتاحية

الفلوجة العراق الخليج الملك سلمان السعودية سوريا مضايا الجوع حقوق الإنسان مجاعة الأمم المتحدة

«كبار العلماء» في السعودية تناشد المسلمين إنقاذ المدنيين بالفلوجة من الموت جوعا

السفير السعودي لدى العراق: ما يحدث في الفلوجة نتيجة التهميش والتشرذم

«الفلوجة تقتل جوعا».. فهل من مجيب؟

الملك «سلمان» يوجه بتقديم مساعدات عاجلة لمتضرري الأنبار

هيئة علماء المسلمين في العراق: قصف الفلوجة إبادة جماعية وعمل إجرامي تمارسه الحكومة

كان الباشا واثقا من النصر في الفلوجة!

‏«رايتس ووتش»: سكان الفلوجة المحاصرة يتضورون جوعا

الحكومة العراقية توافق «من حيث المبدأ »على إيصال مساعدات إغاثية للفلوجة

الأمم المتحدة: الوضع الغذائي في الفلوجة العراقية مقلق للغاية

10 ملايين دولار إغاثة عاجلة من قطر للشعب العراقي

«ن.تايمز»: الميليشيات المدعومة من إيران تستهدف أهل الفلوجة بالقتل والتجويع

برلمانية عراقية: وثقنا وفاة 200 شخص جوعا في الفلوجة

«علماء المسلمين» بالعراق: تهديدات ميلشيات الحشد للفلوجة تهدف لتغيير تركيبتها السكانية

مصادر: واشنطن طالبت «الحشد الشعبي» بعدم التوغل في الفلوجة

سفير السعودية: تحرير الفلوجة ينفذه جيش العراق .. والحشد يرد: نتحمل المسؤولية الأكبر