«الدولة المركز»: ملامح السياسة الخارجية التركية في شرق أوسط مضطرب

الاثنين 19 يناير 2015 01:01 ص

ماذا حدث لما يسمى سياسة تصفير المشكلات في السياسة الخارجية التركية ؟ وكيف يمكن أن نفكر حول انخراط الدور التركي كفاعل إقليمي في المنطقة ؟ وعن أي منطقة نتحدث؟

هذه الأسئلة هي محور نقاش نظمه مركز الدراسات الأمنية  مع البروفيسور «شعبان كارداش» المحاضر في قسم العلاقات الدولية بجامعة توب في أنقرة.

ويقول الدكتور «كارداش» بأنه من أجل الإجابة على هذه التساؤلات فإنه من الضروري أن نفهم تركيا كبلد مركزي أو قوة مركزية. وعلينا أن نعترف أن التاريخ والجغرافيا يجعلان تركيا تلعب دورا قياديا في منطقتها.

وما قصده «د. كارداش» بمنطقتها تبين أنه قد كان يشمل مدى واسعا بالفعل.

البلد المركزي

يرجع مفهوم تركيا كبلد مركزي إلى كتابات رئيس الوزراء التركي الحالي ووزير الخارجية السابق «أحمد داود أوغلو» الذي كان أستاذا للعلوم السياسية قبل دخوله إلى مضمار السياسة.

ويعتقد «أوغلو» أن تركيا ليست دولة هامشية لتصنف بسهولة أنها تابعة لهذه المنطقة أو ذاك الإقليم بل على العكس  يرى «أوغلو» أن تركيا تقع في عدة مناطق أو أقاليم في آن واحد.

وتأتي مركزية تركيا (حسب أوغلو في كتابه العمق الاستراتيجي , 2002) لأنها تسيطر على مضيق البوسفور وهي وريث الامبراطورية العثمانية , وأنها مركز بين البلقان والقوقاز والشرق الأوسط  ومركز أوراسيا بشكل عام وتأتي في منتصف القطاع الممتد من البحر المتوسط إلى المحيط الهادي.

إنها لغةRimlands    أي أرض الحافة أو الإطار أو مناطق الحدود، وهي المناطق التي لا تدخل في صلب اليابسة ولا في صلب البحر، إنها نوع من الحياد الجيوبوليتكي الذي يتمازج فيه عنصرا الماء واليابسة، وهو لا يكتسب أي صفة ذاتية إنما هو تبع للنموذج الجيوبوليتكي المهيمن. إن هذه التبعية لا تقلل من أهمية هذه المناطق؛ فهذه المناطق هي المناطق المعقدة والزاخرة بالحضارة.

ويقر «كارداش» بأن داوود أوغلو الذي يجيد الألمانية بطلاقة يبدو أنه قد تأثر بـ«Haushofer  » بالتحديد, وعلى أية حال فإن السمة البارزة لفكرة الدولة المركزية أن المركزية تصبح ميزة بالفعل إذا  طبقت سياسات استباقية، وتتمتع الدول المركزية بمزايا إضافىة للمناورة مع جيرانها.

وبوصفتركيا بهذه الصفة (المركزية) فإن «داود أوغلو» يجادل بأن الفرادة التاريخية والجغرافية الاستثنائية تلح على وجود سياسة خارجية نشطة، لقد أصبح النشاط سمة في تحليل السياسة الخارجية التركية على الأقل منذ  دعم الرئيس التركي «تورغوت أوزال» لحرب العراق الأولى في 1991.

ولكن بعد الفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية المحافظ الذي أصبح «داود أوغل»و مستشاره السياسي في ،2002 وتحديدا بعد فوز رئيس الوزراء السابق أردوغان بالدورة الثانية كرئيس وزراء في 2007 بدأ نشاط السياسة الخارجية التركية يثير القلق في الغرب.

وفقا لمحللين فإن تطبيق مبادئ سياسة «أوغلو» الخارجية يتضمن انشاء تحالفات مع لإيران روسيا والصين والهند، والسعي لتحقيق النفوذ في مناطق كانت جزءا من الامبراطورية العثمانية وخاصة سوريا والعراق، إضافة إلى السعي للعب دور قيادي عبر العالم الاسلامي من ماليزيا إلى المغرب ومن الصومال إلى آسيا الوسطى.

رؤية بديلة

ربما تثير تركيا بصورتها الذاتية وبنواياها كنموذج فضول الكثيرين، لذا فإن «د. كارداش» قد صنف دوافع تركيا الحقيقية وسلوكها بشكل مختلف نوعا ما.

ويرى «كادرداش» أن الطموح المتزايد للبلد مدفوع بعدم التوازن في القدرات المادية للجيران,  بالمقارنة مع 23 دولة مجاورة فإن تركيا هي ثاني أكبر اقتصاد بعد روسيا, وهي الرابعة من حيث عدد السكان بعد روسيا ومصر وإيران.

فقط هناك السعودية وروسيا تنفقان أكثر على الجيش والتسليح, ولكت قدرات تركيا العسكرية تفوقت على السابق بكثير، ومن الناحية المادية فإن تركيا أضعف من القوى العالمية مثل  الولايات المتحدة أو روسيا لكنها أقوى من معظم جيرانها. وحسب «كارداش» فإن هذا الموقع المتوسط يجعل تركيا قوة اقليمية كلاسيكية.

ويجادل «كارداش» بأن ما تريده أنقرة  حقيقة  في المقام الأول هو قيادة عادية لعملية التكامل الاقليمي  الاقتصادي .

وعلى سبيل المثال فقد اقترح أردوغان توحيد تركيا وإيران وسوريا والعراق في سوق مشتركة بلا حدود تعرف باسم الاتحاد الاسلامي أو «شامغان» وهو مزيج من اسم منطقة «شنغن» الأوروبية ومنطقة الشام التاريخية.

وبحسب رؤية «كارداش»، فإن مبادرات مثل هذه يجب أن تعطى وزنا أكبر من الكتابات الأكاديمية لـ«داود أوغلو» أو تأملاته الشخصية عندما نتحدث عن نوايا تركيا .

وبعبارة أخرى فإنه كلما ذكر «أردوغان» أو «داود أوغلو» العلاقات الثقافية أو التاريخية بين تركيا وجيرانها فإن تعليقاتهم ينبغي أن تفسر في إطار الجهود لقيادة مشروع اقتصادي بدلا من تفسيرها أنها تعمل من أجل  المصالح فقط أو حتى إعادة تصميم الحدود .

وبعد الوصول لهذه النقطة ذهب «كارداش» إلى التأكيد على أوجه القصور الهيكلية في تفسير سلوك تركيا الخارجي.

فقط المناهج عادة تقدم قليلا من التوجيه حول كيف ينبغي أن تتجمع الدول في الأقاليم والمناطق, بالفعل هل إمكانات تركيا المادية تضعها على حافة أوروبا أو هل هذا منافسة مع إيران أو  مصر أو اسرائيل من أجل النفوذ في الشرق الأوسط ؟ وضد أي قوى من الممكن أن تحسب أو تقارن إمكاناتها؟

 ردا على هذه الأسئلة يقول «كارداش» أن القوى الإقليمية هي التي تلعب أدواراً قيادية بالنسبة لجيرانها  وتقوم بتمثيل المنطقة والجيران على المسرح العالمي، ويناء على هذا التصنيف فإن تركيا ليست في أوروبا وليست في الشرق الأوسط يل هي جزء من مساحة متميزة تضم البلقان ومناطق البحر الأسود ومناطق القوقاز والشرق الأوسط.

ولكن كيف تقود تركيا وتمثل هذه المنطقة الواسعة ؟

من خلال الجدول التالي يحدد «كارداش» المقاربة أو النهج الذي تتبعه تركيا.

وبشكل لافت تشبه رؤية الجوار الاقليمي لتركيا فكرة« داود أوغلو» باعتبار تركيا دولة مركزية، وهي أيضا تتحدى الطريقة المتبعة في ترسيم المناطق في الدراسات الامنية .

في نظرية الأمن الاقليمي تعد تركيا وافغانستان دولاً تحت وصفة «الدولة العازلة»، وهي ستبقى ضعيفة لأنها ستتلقى ضغوط من جهات متعددة وستعاني من نقص في التعامل معهم كوحدة واحدة.

ويرى« كارداش» أن المشكلة في هذه النظرية أنها بنيت على افتراض  أن الدولة يمكن أن تكون فقط في إقليم واحد. وعلى الحالة التركية فإن الواقع النظري لا يمكن أن يسقط على السلوك الاستراتيجي لتركيا، ويعيد «كارداش» ما قاله داود أوغلو أنه لا يوجد سبب يمنع الدولة أن تكون في أكثر من منطقة في آن واحد.

التعلم من التجربة

إذا كيف يفسر النشاط التركي مؤخرا؟

بينما اشتهرت أنقرة بسياسة تصفير المشكلات مع الجيران ، فإن كثيربن يرون أن هذه السياسة قد انتهت، ومع هذا فإن «كارداش» يرى ان هذا الرأي يستند إلى سوء فهم مصطلح «صفر مشاكل» حيث يرى كارداش أن المرحلة استوجبت إعطاء الاولوية لسياسات «الدبلوماسية الايقاعية» و«تحقيق التوازن بين الحرية والأمن»، ولم يتم التخلي عن سياسة تصفير المشكلات ، بل حاولت تركيا التكيف مع واقع الربيع العربي واعتبر كارداش بأن هذه تجربة تعليمية لقيادة البلاد.

ووفقا لـ«كارداش» فإن الربيع العربي قد أظهر الفجوة بين رؤية تركيا للتكامل الاقليمي وقدرتها على تحقيق تلك الرؤية . وبسبب الربيع العربي فإن تركيا لديها تقدير أكبر لأهمية القوة الصلبة. وتفهمت أن المنطقة مخترقة بشكل عميق من قبل القوى العالمية مثل روسيا والولايات المتحدة. وهذا الإدراك يفسر لماذا تركز تركيا بشكل أقل على تصفير المشاكل وتأخذ الان جانبا في الصراعات الاقليمية. 

وعلى سبيل المثال تركيا تقوم بالعمل في عدة مجالات

1-    التفاوض مع حزب العمال الكردستاني

2-    الدعم الحذر للأكراد في المعارضة السورية

3-    اتخاذ مواقف معقدة تجاه الدولة الإسلامية  مما جعلها عرضة لانتقادات واشنطن.

والذي جعل هذا النقد الأخيرعصياً على الفهم أن تركيا بحاجة إلى استراتيجية متماسكة على المدى البعيد في الجوار الاقليمي . ويدخل في هذا رؤية تركيا لدور تنظيم الدولة ومواجهته مع نظام الأسد.

 

المصدر | وليام روك/ شبكة العلاقات الدولية والأمن

  كلمات مفتاحية

تركيا داوود أوغلو

2015 في عيون «ستراتفور» (1\2): تقارب أمريكي إيراني .. و«الدولة» مستمرة .. وتركيا مهددة بالعزلة

«خالد مشعل»: تركيا القوية مصدر قوة لجميع المسلمين

خيارات تركيا الاستراتيجية بين الشرق والغرب

«أردوغان» و«تميم» يدشنان شراكة سياسية وعسكرية استراتيجية بين تركيا وقطر

«أردوغان» يلمح لتغير موقف تركيا إلي المشاركة فى التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية

«جنبلاط» يدعو إلى "قوة عسكرية موحدة" و"نظام إقليمي جديد" يضم تركيا وإيران

«أوغلو»: لن نعترف بالانقلاب العسكري في مصر .. والأفضل أن نتحدث بدلا من تبادل الاتهامات

«ستراتفور»: نضوج ميزان القوى في الشرق الأوسط

«فورين أفيرز»: الدبلوماسية التجارية .. من تركيا إلى (تل أبيب)

«أردوغان» يستعرض إنجازات 12 عاما ويتطلع إلى تطوير الصناعات العسكرية التركية

«ميدل إيست بريفينج»: حدود الدور التركي في شمال سوريا

«أردوغان» يهدف لتحويل تركيا إلى مركز رئيسي لصناعة السلاح

«أردوغان» لا يزال في موقع القيادة

«أردوغان» الزعيم… وتركيا «المحسودة»

«ناشيونال إنترست»: مقاربة جديدة للسياسة الخارجية في تركيا

القضاء التركي يقرر اعتقال رئيسي بلديتين بعد مطالبتهما بـ«حكم ذاتي»

تركيا .. العدالة والتنمية وتحديات ما بعد المؤتمر

تركيا.. القبض على مدير مصنع قبل بيعه أسرارا عن الصناعات العسكرية