في الايام التي يتبلور فيها اتفاق النووي بين واشنطن وطهران، وبينما يحاول رئيس الوزراء احباطه، لا ينبغي التقليل من اهمية ما يجري في سوريا، والذي لا يجبي فقط ثمنا دمويا بوتيرة اكثر من مئة شخص في اليوم، بل يصبح تهديدا استراتيجيا لا يقل خطورة من ناحية اسرائيل. تأخذ ايران الى ايديها الخيوط في ما يجري في سوريا بشكل كامل. فرجالها يلتصقون بالاسد بحجة "الحاجة الى حمايته"، وعمليا لا يوجد قرار عسكري يتخذ بدونهم. وهي لم تعد تعتمد على حزب الله الذي لم يحقق اداءه انجازات كافية. وقد أخذ قادة الحرس الثوري الى ايديهم القيادة على الجبهة في هضبة الجولان وحتى درعا في الجنوب. أكثر من عشرة الاف متطوع شيعي من ايران، من العراق ومن افغانستان نقلوا جوا الى سوريا لملء الصفوف وصد الهجوم السني الكبير للثوار نحو دمشق. كل ذلك بالطبع من فوق رأس جيش الاسد الذي يتحلل ورأس الاسد نفسه الذي يصبح دمية تعد ايامها وينظر الى بلاده الضائعة.
أما اسرائيل من جهتها فتنظر بقلق الى التحول الايراني الجاري على مسافة نحو 10كم من حدودها. ومكان العدو من دمشق الذي كان على مدى أربعة عقود "الاكثر راحة" لها تحتل عمليا ايران. اما واشنطن، التي تسعى الى الوصول الى اتفاق نووي بكل ثمن تقريبا، فتغض النظر. وموسكو، التي تنازلت عن الاسد ويئست من التفكير حتى أن تسترد اموال السلاح الذي زودته به، فتغمض عيونها تماما.
تدير ايران استراتيجية اقليمية واعية للغاية وتستغل انعدام التواجد الامريكي في المنطقة. وبات واضحا بان رد ائتلاف الغرب هو مثابة اقل مما ينبغي ومتأخر اكثر مما ينبغي. فالولايات المتحدة تتمسك بتكتيك تفكيك داعش من خلال اضافة المزيد فالمزيد من القوة، ولكنها عمياء تماما عن تغييرات ميزان القوى في المنطقة. وهي تسند عمليا انتقال السيطرة على دمشق الى الايرانيين مقابل اتفاق نووي هزيل، بثمن "حملة تنزيلات": اثنان (دمشق زائد اليمن) بثمن واحد.
أجنحة داعش آخذة فقط في الاتساع. وبينما يهاجم الامريكيون في شمال العراق، وسع داعش منذ الان اعماله الى عشر دول اخرى في العالم بما في ذلك شمال افريقيا وشرقها، اليمن، افغانستان، الباكستان، اندونيسيا وغيرها. ويرفض اوباما الاعتراف بوجود الارهاب الاسلامي المتطرف ("يوجد اسلام ويوجد ارهاب...") ويفضل تجاهل حقيقة أن حرب اسلام السنة ضد الشيعة بات حقيقة. ولكن داعش يراكم القوة والنفوذ ويتعاظم بمضاعفات هندسية كظاهرة دينية متزمتة. وحتى منع سيطرة داعش على ليبيا، تقوده اليوم مصر، وليس ايا من دول الغرب.
وبينما يقلق اسرائيل التوسع الايراني نحو حدودها الشمالية، فان وضع العلاقات المتوتر مع البيت الابيض يثير المصاعب جدا.
فهل خطاب رئيس الوزراء في الكونغرس، من فوق رأس اوباما سيوقف حقا الاتفاق ام سيشجعه فقط؟ ليس واضحا. ولكن التفاهمات الاستراتيجية مع الادارة في واشنطن، والتي يتوجب على اسرائيل أن تحققها في هذا الوقت، فان هذا بالتأكيد لن يدفعها الى الامام. وهذا موضوع اكثر الحاحا بكثير من مدى الرقابة على النووي بعد عشر سنوات.
يتعين على اسرائيل أن تتابع بحذر شديد هذه التطورات. فمن جهة ان تمتنع عن التورط في حرب ليست لنا. ولكن من الجهة الاخرى، اذا ما نجحت ايران في خطتها لتأميم الجولان ونقل حوض دمشق الى سيطرتها، فستصحو اسرائيل ذات صباح على واقع اقليمي جديد وأكثر تعقيدا باضعاف من حزب الله. جبهة ايرانية مباشرة وواسعة، من النوع الذي لم تشهده اسرائيل من قبل.