«آية الله على خامنئي» كان أول من أطلق لقب «الشيطان الأعظم» على الولايات المتحدة الأمريكية خلال الثورة الإيرانية عام 1979م، وفي عام 2002م ردّ الرئيس الأمريكي آنذاك «جورج دبليو بوش» الصاع بمثله ليعلن أن إيران جزءا من «محور الشر».
لكن – وفي الوقت الراهن – فإن هذه الألقاب اللاذعة قد انتهى زمانها، وما عادت تجدي نفعا، وقد حان الوقت لطريقة جديدة.
وفي الوقت الذي يقترب فيه 25 نوفمبر/تشرين الثاني المُحدد كموعد نهائي لتوقيع اتفاق بشأن برنامج إيران النووي بين وإيران ومجموعة «الخمسة زائد واحد» – الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا بالإضافة إلى ألمانيا – يتعين علينا أن نُحيي الجهود الدبلوماسية في كلا الجانبين: فقد جعلونا على مقربة من حلٍ نأمل معه أن تتوقف طهران عن إنشاء سلاحٍ نووي يُضاف إلى ترسانتها، والولايات المتحدة لا تنجر إلى صراعٍ مسلحٍ جديدٍ في الشرق الأوسط، هذه المفاوضات تمثّل أطول اتصالات مباشرة، وعلى مستوى رفيع بين واشنطن وطهران على مدار ثلاثين عاما، وحتى لو فشلت هذه المفاوضات في التوصل إلى اتفاق فإن القيادة الأمريكية والإيرانية سيكونا قد أمضا وقتا كبيرا وجها لوجه، وهذا في حد ذاته أمر ذو مغزى.
واشنطن وطهران، الأمريكيون والإيرانيون بحاجة إلى إعادة النظر في تصريحاتهم تجاه بعضهم البعض، ويتعين أن يكون هناك من الوسائل ما يفتح آفاقًا أمام العلاقات البناءة.
هذا لا يعني التستر على قضايا استمرارها يعني وجود الانقسام بيننا، وعلى الرغم من أن الرئيس الحالي «حسن روحاني» قد قام بتحسينات رفضها سلفه «أحمدي نجاد» إلا إن النظام الذي يترأسه ما زال معيبا وبشدة، فثلاثون عاما من القمع لا يمكن أن تختفي بين عشية وضحاها، فالنظام الإيراني دعم حكم «بشار الأسد» الدموي، وساعد الإرهابيين، ووقف بجانب «الحوثيين»، ومؤخرا صدر الحكم ضد مجموعة من الشباب الإيرانيين بالحبس لمدة ستة أشهر والجلد 91 جلدة بسبب أغنية أصدروها.
أفضل طريقة لإصلاح نظام قمعي هي التفاوض معه؛ حيث يمكننا الاعتراض علانية مع استمرار الحوار، فعلاقاتنا الدبلوماسية مع روسيا والصين قائمة رغم معارضتنا لبعض سياساتهم العسكرية والحقوقية، والأهم من ذلك أن الرئيس «روحاني» لم يبد اعتراضا ضد فكرة الجلوس على طاولة الحوار.
أصحاب النوايا الحسنة يأملون أن مفاوضات «الخمس دول زائد واحد» مع إيران تنتهي بالتوصل إلى اتفاق في 24 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ولكن سواء تحقق ذلك أو لا فسيكون من الأهمية بمكان الاستمرار؛ لتجنب الصراع واستمرار الحوار وحتى التعاون لو أمكن، كيف يمكننا بناء تقدم ينقلنا للأمام؟
أولا: نحتاج إلى مزيد من التعرف على البراجماتيين داخل كل دولة منهما وزيادة التعاون بينهم، هناك متعنتون ورافضون للحوار في كل منهما، لكن في الوقت ذاته هناك معتدلين يفكرون في التصالح، وبالنسبة للولايات المتحدة؛ فهناك معتدلون أمثال السفير «توماس بيكرينج» و«وليام لوريس» وممثل واشنطن في المفاوضات «روش هولت» وآخرين تحدثوا صراحة عن دفعهم لعجلة التفاوض بشأن البرنامج النووي لطهران لتمضي قدما.
وفي إيران، هناك من البراجماتيين العديد من الذين انتخبوا «روحاني» (الائتلاف المؤيد له) ويشمل الإصلاحيين وتيار المحافظين والتكنوقراط ومجتمع رجال الأعمال، وبإمكان الولايات المتحدة وضع أساس قوي لعلاقات بناءة مع إيران من خلال إشراك هذه المجتمعات في القيام بمهام منها – على سبيل المثال لا الحصر – عقد مؤتمرات فنية مشتركة، وتشجيع التعاون العلمي، وتبادل البعثات الطلابية ما قد يعود بفائدة.
ثانيا: الجماعات المحلية ووسائل الإعلام بحاجة لتظهر وجهة نظر المواطنيين العاديين، يمكننا تعلم الكثير من المجتمع الإيراني الموجود في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة ومعرفة كل شيء عنه؛ – لغته وثقافته ورأيه السياسي عن إيران والتي تعطينا تصورا حقيقيًا في الوقت الراهن، وتفيد المعلومات الواردة من الولايات المتحدة أن الاتجاه العام لدى الأمريكيين تجاه إيران سلبي حيث إن 76% من الذين استطلع مركز «بيو» الأمريكي رأيهم كشفوا عن مشاعرهم السلبية تجاه الجمهورية الإسلامية، وهذا العدد تزايد بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الأخيرة ليرتفع حوالي 10%، في الوقت ذاته فإن المعلومات الواردة من إيران تظهر أن المشاعر متبادلة أظهرها استطلاع رأي صدر عن معهد «جالوب» الأمريكي وجد أن 67% من الإيرانيين لا يرغبون أن تكون أمريكا في موقع قيادة العالم، فالسياسات والوسائل التي ندعمها سوف تبدأ في التغير عندما تتغير نظرة كل منا للآخر.
ثالثا: يتعين علينا المشاركة في الخطوط المفتوحة أمام التواصل العام والدبلوماسي، ينظر العالم بشكل يختلف عما كان عليه قبل 35 عاما، هناك سبل جديدة للتواصل وانتشار لوسائل الاتصال الرقمي التي تتيح التواصل المباشر، اليوم الإيرانيون والأمريكيون من الممكن أن يتعلموا من بعضهم البعض دون الانتقال إلى الولايات المتحدة أو إيران، ومثل كثيرين على مستوى العالم يمتاز الإيرانيون بالذكاء التكنولوجي والنشاط على وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات، وأمام التحديات الراهنة لحرية الإنترنت على الجانب الإيراني يتعين علينا أن نشجع ونبدأ جهودا في الفضاء الرقمي بأسرع وقت ممكن.
رابعا: نحتاج أن نبدأ تحولا في لغة الحكومة الرسمية، هذا التغيير ينبغي أن يأتي مباشرة من واشنطن وطهران، ولنبدأ التخلي عن التراشق بالألفاظ الصبيانية، كفانا تكرار «محور الشر» و«الشيطان الأعظم» و«الموت لأمريكا»، فالمفاوضات الحالية بشأن البرنامج النووي فتحت بابا لهذا النوع من التحوّل من خلال التعاون الإيراني-الأمريكي في القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يقدم فرصة أيضا، وبصفتها دولة شيعية فإن مخاوف الدول الغربية من الإسلام السني المتشدد توجد أيضا لدى طهران، وفي الوقت الذي يتواصل فيه العمل العسكري ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» من أمريكا وحلفائها، تعتمد واشنطن على أن إيران البعيدة التي ستشارك من مبدأ «عدو عدوي هو صديقي»، فإنه يتعين على واشنطن أن تسير وفق شراكة طويلة الأمد، وأن يبدأ المسئولون في تغيير نبرتهم تجاه طهران.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرات لن تحل كل المشكلات، أو حتى ستزيل حوالي 40 عاما من العداء، فالمتعنتون في كل بلد سيصيبهم الإحباط، وخلافاتنا على قضايا جوهرية مرتبطة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحرية الصحافة واستراتيجية الولايات المتحدة لمواجهة «الإرهاب» وسياسات واشنطن الأخرى في الشرق الأوسط ستستمر، إلا أن فتح خطوط الاتصال الدبلوماسي مع وجود احترام متبادل سيكون له أبلغ الأثر في الوصول لحل بدلا من تراشق الألفاظ والألقاب.
ويقع على عاتقنا مسئولية شاملة للتصرف كقوة عظمى فالعلاقات الأمريكية - الإيرانية الحقيقية تعني أكثر من مجرد التوصل إلى وقوع أقل الضررين، ويتعين أن نعامل بعضنا البعض كشركاء محتملين، ونتجنب الهجوم المستفز تجاه بعضنا، ونبني أساسًا حقيقيا للتعاون، ونناقش خلافاتنا واختلافاتنا بما ستناسب معها.