أموال السعودية الموجهة إلى مناطق الاضطراب: هل تُذكّي نار الصراعات أو تخمدها؟

الاثنين 8 سبتمبر 2014 01:09 ص

سعت المملكة العربية السعودية منذ ظهور النفط بها إلى أن تصبح لاعبًا إقليميًا ودوليًا في المنطقة العربية والعالم، وساعدها في هذا أموال النفط وقدراتها الاستثمارية، فضلاً عن تواجد الحرمين الشريفين بها، حيث أعطتها الأماكنُ المقدسة قوةً «معنوية» مؤثرة في العالم العربي والإسلاميّ.

وقد ظل دور المملكة محصورًا بدعم القضية الفلسطينية وقضايا المسلمين في العالم حتى بدأ الغزو العراقي للكويت وما تبعه من تدفق القوات الأمريكية والغربية على المملكة وبناء قواعد عسكرية، ومزيد من التدخل الأمريكي لاحقًا في توجيه الموقف السياسي والدبلوماسي السعودي، مستفيدًا من القدرات النفطية للمملكة واستثمارها كسلاح مثل المعونة الأمريكية في التأثير على الأحداث والمواقف الدولية.

ومنذ تسعينيات القرن الماضي أصبح هناك توجه سعودي متصاعد للتدخل في شئون دول عديدة بسلاح المال، وبما يتوافق مع رغبات حكام البلاد الذين تعاقبوا على السلطة، وتصاعد مع ظهور ثورات الربيع العربي ورياح التغيير التي بدأت تهب على المنطقة العربية وطالت تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا، وكان يمكن أن تنتقل إلى الخليج مع اندلاع الاحتجاجات والمظاهرات في بعض دول الخليج كالبحرين بل والمملكة نفسها للمرة الأولى منذ نشأة هذه الدول.

هنا بدأ التدخل السعودي للوقاية من رياح التغيير ومنع وصولها إلى المملكة سواء عبر كبح «فرملة» التغيير الذي اجتاح المنطقة أو عبر التأثير في الدول التي طالها التغيير ودعم قوي الثورة المضادة لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه خصوصًا في مصر والعراق وسوريا وليبيا وكذا فلسطين بدعم السلطة الفلسطينية في مواجهة حماس.

ولأن مَن قاد هذا التغيير بشكل أكبر أو وجّهه الوجهة السلمية بما أدى لصمود الثورات العربية ونجاحها في عزل قادة مثل بن علي ومبارك وعلي صالح والقذافي كانوا تيارات إسلامية خصوصًا جماعة الإخوان فقد كان من الطبيعي أن تركز السياسة السعودية دبلوماسيًّا وماليًّا على التضييق على الإخوان وتشجيع اعتبارهم جماعة إرهابية.

من هنا جاء الدعم السعودي بالمال والدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية قويًّا للانقلاب الذي وقع في 3 يوليو/تموز 2013 ضد الرئيس المدني المنتخب «محمد مرسي» الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وتزامن هذا مع دعم محاولات «ترويض» حماس، والسعي للتحكم في ثورات سوريا وليبيا بعدما تبين لهم أن الإسلاميين يقودون التغيير هناك أيضًا، فضلاً عن التدخل لدى دول غربية -بالمال- انتهاج مواقف لمعاداة الإخوان، وكان أبرزها وقف صفقات أسلحة من السعودية والإمارات مع بريطانيا لرفضها اعتبار الإخوان تنظيما «إرهابيا» أو طرد قادة الجماعة المقيمين في لندن بل ومنح بعضهم حق اللجوء السياسي.

والسؤال: هل أثمرت هذه السياسات السعودية عبر سلاحَي المال والدبلوماسية المدعومة بالمال؟ واقع الأمر يشير إلى أن أموال السعودية الموجهة إلى مناطق الاضطراب في مصر والعراق وليبيا وسوريا واليمن ذكّت الصراعات بدلاً من أن تخفف حدتها.

 

لماذا تخاطر السعودية بدعم الانقلاب في مصر؟

زاد العنف في مصر بسبب الدعم السعودي للقمع والقتل الذي تمارسه سلطة الانقلاب ممثلة في الرئيس «الجنرال» «عبدالفتاح السيسي»، وانعكس على حالة من الكراهية للسعودية لدى المصريين، كما أن الدعم المالي للموازنة المصرية توقف باعتراف المسئولين المصريين؛ لأن السعودية نفسها تعاني من إنفاق غير طبيعي على الخارج بينما يعاني الداخل السعودي؛ مع مطالب بإصلاحات مالية وتحسين أحوال المواطنين.

«مساعدات السعودية والكويت والإمارات للانقلابيين 12 مليار دولار، تعادل أربع أضعاف المنح العسكرية والاقتصادية الأمريكية والأوروبية مجتمعة 2.8 مليار دولار»

وقد حاول الكاتب البريطاني «ديفيد هيرست» الإجابة على سؤال: لماذا تخاطر السعودية بدعم الانقلاب في مصر؟ فكتب يقول إن «الملك عبدالله يخشى الإخوان الذين يمثلون تحدّيًا لادعاء المملكة بأنها حامية للإسلام».

وقال أن دعم السعودية لانقلاب مصر الأخير تم بشكل سريع وبلا مقدمات، وعندما أدى «عدلي منصور» -الرئيس السابق للمحكمة الدستورية العليا اليمينَ الدستورية في منصب الرئيس المؤقت بعث له الملك «عبدالله» برسالة مشيدًا فيها بالجيش المصري لأنه أنقذ البلاد من «نفق مظلم».

وتساءل «هيرست»: «لماذا تضع المملكة الشهيرة بالحذر الدبلوماسي كلَّ البيض في سلة واحدة والتي بالنظر للتقلب في مصر لا تزال هشّة ولا يمكن التنبؤ بها؟»!

هنا ينقل عن الدكتورة «مها عزام» الباحثة في برنامج شمال أفريقيا في معهد «تشاتام هاوس»، بأن بث المملكة لنار الانقلاب لا يعتبر مفاجئًا بشكل ملفت، وهذا ليس فقط مثار للدهشة التي أصابتها تجاه تخلي واشنطن عن أقرب حليف إقليمي للمملكة مبارك ولكنهم أيضًا رأوا كيف تم استبداله في الانتخابات بـ«جماعة الإخوان» التي تتحدى ادعاءات المملكة بأنها حامية للإسلام.

وتقول «عزام»: كان لديهم «الأمريكان» معادلة قاتلة؛ «الديمقراطية مع الإسلاميين تحت عباءة الإخوان، بما يقوّض شرعية المملكة على المدى الطويل؛ لأن السعوديين لا يريدون الديمقراطية ولا يطيقون رؤية مجموعة أخرى غيرهم تمثل الإسلام».

ويبدو أن هناك أسباب تدفع المملكة للخوف من الإخوان، فقد كان للمصريين في السعودية والخليج دورٌ بارز في إنجاح الرئيس مرسي عام 2012، وملأت تويتر عباراتُ التعاطف مع مرسي، كما أصدر 56 من علماء السعودية بيانًا وصَفَ أحداث 3 يوليو/تموز بـ«انقلاب عسكري وعمل إجرامي غير قانوني وغير مشروع».

ولذلك يقول «هيرست» إن خطوط المعارك رُسمت بوضوح في العالم العربي لدعم الانقلاب العسكري، وإن الدعم السعودي يمثل محاولة لوقف موجة الديمقراطية التي بشّرت بإسقاط المستبدين العرب.

 

صفقات «الأسلحة الغبية»..

أعلنت مؤخرًا صحف بريطانية  منها «هفينغتون بوست» و«فاينَنشيال تايمز»، أن محاولة لندن إعادةَ تقييم وضع الإخوان في بريطانيا والسعي لغلق قناة «الحوار»، لضغوط من حلفائها في الخليج – السعودية والإمارات – ضمن محاولاتهم نقلَ الصراع مع معارضي الانقلاب بمصر إلى الخارج.

ومن أبرز الضغوط  - بحسب تقارير استراتجية غربية - إعادة فتح ملفات صفقات سلاح بريطانية ضخمة كانت قد تعاقدت عليها السعودية ولوّحت بإلغائها تقدر بنحو ١٠ مليارات دولار تم إلغاؤها ويجري التلويح بإعادة التعاقد بشأنها؛ ما أغرى «ديفيد كاميرون» - رئيس الوزراء البريطاني - رغم تحذيرات داخلية بأن هذا يشوّه صورة الحريات في بريطانيا.

وتخصص الرياض سنويًا ملايين الدولارات لصفقات أسلحة معلنة وغير معلنة تستفيد منها صناعة السلاح البريطاني والأمريكي، وتلوّح هذا العام لبريطانيا بصفقة تسليحية ضخمة تتضمن تزويد المملكة بعشرات الطائرات بعد توقف المفاوضات بين الجانبين حوالي سبع سنوات.

ويستعمل خبراء التسلّح الغربيين مصطلح «صفقات الأسلحة الغبية» لوصف تكديس دول الخليج لأسلحة لا تتناسب والتحديات العسكرية التي تواجهها، وتدخل الصفقات السعودية مع بريطانيا وأمريكا ضمن هذا التصنيف حيث تستثمر مبالغ خيالية تجاوزت ١٥٠ مليار دولار في صفقات منذ اندلاع حروب الخليج.

وتؤكد تقارير غربية أن هذه الصفقات أشبه برشاوى تقدّم من الثروة الخليجية للدول الغربية لإحياء شركات الأسلحة، وأشارت لهذا «الجارديان» في تقرير نشرته أواخر ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٢.

ويصف خبراء الاقتصاد صفقاتِ السلاح الخليجيةَ بـ«أسرع وسيلة ترمي بها هذه الدول أموالَها في البحر»، أما هذه الأموال فتعمل كمساعدات اقتصاديّة للدول الغربية.

وقالت مصادر بريطانية إن قرار «كاميرون» تشكيل لجنة للتحقيق حول «الإخوان» جاء بضغوط سعودية وإماراتية بعد تهديدات بوقف عطاءات وصفقات أسلحة محتملة ومراجعة العلاقات التجارية ما دفع «كاميرون» لاتخاذ القرار تجنبًا للخسائر التي قد تتسبب بها العقوبات السعودية والإماراتية، ولكن لأن القرارات في بريطانيا تتخذ ديمقراطيًا وبناءً علي تحقيقات – لا على الطريقة العربية بقرارات فوقيّة فقد خسرت المملكة المالَ الذي دفعته عندما لم يُدِن التقريرُ البريطاني الإخوانَ.

 

دعم المالكي!

في سوريا أدى اللعب بسلاح الدعم المالي إلى تحسين موقف المعارضة المسلحة بدايةً، ولكن مع خشية المملكة من سيطرة الإسلاميين على السلطة هناك تراجَع الدعمُ السعودي؛ ما أدى لظهور تنظيم «الدولة الإسلامية».

 فقد أثمرت سياسةُ حكومة «نوري المالكي» - التي قمعت المسلمين السنة - ثورةً سنيّةً قادتها العشائر والمعارضة الثورية السنية، وشارك فيها تنظيم «الدولة الإسلامية» الأكثر تنظيمًا وتسليحًا؛ فأصبح العراق مهددًا بالتحول إلى بؤرة صراع بين تنظيم «الدولة الإسلامية» والأمريكان، وبين السنة والشيعة؛ ما يهدد بإشعال المناطق السعودية الشرقية ذات الكثافة الشيعية.

وعندما زار «العاهل السعودي مصر - هو داخل الطائرة - وعقد لقاءًا عاجلاً مع الرئيس المصري «السيسي» عقب نجاح تنظيم «الدولة الإسلامية» في طرد «قوات المالكي» من العديد من المدن رجّح مراقبون مصريون أن يكون هدف الزيارة هو بحث كيفية مواجهة تقدم المعارضة العراقية السنية ومنها تنظيم «الدولة الإسلامية» لخطورتها على الخليج.

وكشف «المالكي» - في حوار مع «رويترز» - أن بلاده اشترت بالفعل أسلحةً من المخازن المصرية، ما أثار استنكار قيادات العشائر السنية العراقية التي اعتبرت الدعم المصري أتى لتوفير السلاح «للمرتزقة» الملبّين لنداء القيادات الدينية الشيعية في العراق وإيران للقتال بجانب «المالكي». سبق ذلك تقديم المملكة منحة سخية لحكومة المالكي (المنهارة) قيل أنها لدعم اللاجئين العراقين.

 

خسائر الاستثمارات السعودية في السندات الأميركية

مجال آخر أخطر تتدخل فيه السعودية بسلاح المال دون عائد حقيقي بل وتنالها الخسائر، وهو مجال السندات الأمريكية التي شهدت مؤخرًا انهيارًا كبيرًا إذ تعَدّ السعودية رابع أكبر مستثمري سوق سندات الخزانة الأميركية، وفقًا لتقديرات مؤسسات مالية وبيوت خبرة عالمية.

وتشير التقارير الاقتصادية إلى أن استثمارات السعودية في هذه السندات - والتي تعتمد على النفط كمورد للعملات الصعبة - تقدر بنحو ٢٢٩ مليار دولار؛ حيث تستثمر السعودية قسمًا كبيرًا من إيراداتها في شراء أصول أميركية، وتشير التوقعات إلى أن حجم خسائر الاستثمارات السعودية في السندات الأميركية المبنية على الدين العام الأميركي يقدّر بنحو ٤٥ مليار دولار بما يعادل ٢٠٪ التي تشكل السندات الأميركية ٧٠-٩٠٪ منها بحسب المعلومات المتداولة، وأن تتجه إلى الاستثمار في السندات الألمانية واليابانية.

المصدر | محمد خالد، الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر الانقلاب العسكري العراق الدولة الإسلامية سوريا

العاهل السعودي يتبرع بنصف مليار دولار للشعب العراقي

مجلس الاعمال السعودى :لن نترك مصر تحت رحمة صندوق النقد

السعودية والإمارات تدعمان الانقلاب في مصر بـ 10 مليار دولار إضافية

مصر والخليج: عندما لا تكون الدعوة إلى الوليمة مجانا

وزير الخارجية السعودي: النظام السوري هو الراعي الأول للإرهاب في سوريا

«الحصني» و«العصيمي» أحدث القتلى السعوديين فى صفوف «الدولة الإٍسلامية» بسوريا

«دمية» تثير الذعر في السعودية

«الدولة الإسلامية» .. خطر وجودي للسعودية؟

الثروة الريعية في السعودية: غزارة وسوء توزيع

النمسا تقرر إغلاق مدرسة سعودية في فيينا بتهمة «معاداة السامية»

«إسرائيل دفينس»: السعودية تبني «سورها العظيم» لصد هجمات «الدولة الإسلامية»

البنك المركزي اليمني ينفي اعتزام السعودية سحب وديعتها

السعودية: «الإرهاب» يستهدف أراضينا ومواطنينا وسنقضي عليه

السعودية وبريطانيا: علاقات خاصة جديدة

العراق يحكم بالإعدام على 3 بينهم سعودي لانتمائهم لـ«الدولة الإسلامية»

محامي سعوديين محكومين بالإعدام في العراق: الأحكام تغلب عليها الصبغة السياسية

محكمة عراقية تقضي بإعدام السعودي «محمد الحبايي»

‏تفاصيل مخطط الحرس الثوري لتفخيخ طائرات سعودية في دول آسيوية

قبل زيارته للقاهرة.. معتقلون مصريون يوجهون رسالة للملك «سلمان»

السعودية تعلن ضبط متسللا لأراضيها كل ثلاث ساعات