«شارلي إيبدو»: مغالطات كارثية

الجمعة 9 يناير 2015 02:01 ص

أدت العملية الإرهابية التي جرت في باريس أول أمس إلى ردود فعل عالمية منددة، ولكن الإجماع العالمي على إدانة المجزرة ضد مجلة تضمّ صحافيين ورسامي كاريكاتور وموظفين أبرياء لا يكفي، فالعملية، بسبب رمزيتها العالية ووحشيتها وسياقها التاريخي، تستحق تحليلاً هادئاً، وذلك أقل ما يمكن فعله للصحافيين الذين قتلوا فيها.

ولأن خلفيات الحدث الإجرامي، وتبعاته، سياسية، أولا وأخيراً، فإنها ستكون محطة للاستخدام المكثف والتلاعب بين تيّارات سياسية عديدة، أهمّها حركات اليمين المتطرف، على شاكلة حركة «بيغيدا» الألمانية، و»الجبهة الوطنية» الفرنسية، و»الحزب القومي البريطاني»، وحركات السلفية المتطرّفة في العالم الإسلامي، وأنظمة الاستبداد والاحتلال، كدولة إسرائيل وأنظمة الطغيان العربية والإقليمية.

سارعت أغلب الدول والتيّارات السياسية إلى التنديد بالعملية ومحاولة التلاعب بها، كما فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما دعا أمس لاتخاذ «رد فعل عالمي» ضد «الإسلاميين المتطرفين»، قائلا: «يتم مهاجمة إسرائيل من القوى نفسها التي تهاجم أوروبا»، ومعتبرا أن إسرائيل تقدر «الحرية والتسامح» بينما هم «يحترمون الطغيان والإرهاب».

وهذا يقودنا بالطبع إلى أول المغالطات الكارثية التي يريد نتنياهو جرّنا إليها وهو فصل حرية التعبير، واستخدامها انتهازياً ضد باقي الحريات الأساسية للبشر، وفي طليعتها حرية الحياة، والملكية، والتنقّل، وعدم التمييز العنصري، والحرية الدينية والفكرية، وعدم التعذيب، والعدالة الخ… وهي حرّيات تنتهكها إسرائيل، كما تفعل أنظمة الطغيان، ومنظمات الإرهاب، وتيارات اليمين المتطرف الغربية التي يدّعي نتنياهو افتراقه عنها.

تحمي حرّية التعبير هذه الحرّيات جميعها، ولكنّها لا تتفوّق عليها، فالمحروم من وطنه، والمحتلّة بلاده بسلطات استيطانية، كما الفلسطينيين، أو يعاني من ممارسات بطش وتعسّف تفوق ممارسات الاحتلال على يد أبناء وطنه، كما هو الحال مع ملايين السوريين والعراقيين، يحاول الحفاظ أساساً على حقّه بالحياة، وهو الذي طورد واعتقل وسجن وعذب وقتل لأنه طالب بحرية التعبير والانتخاب والعدالة والعيش الكريم.

المغالطة الكبرى الثانية التي تنتهز هذه القوى حدث «شارلي ايبدو» لتفعيلها هي نقل الحدث من طبيعته السياسية، الأرضية، وتصويره على أنه صراع دينيّ مع الإسلام نفسه، وهي انتهازية تشترك في استخدامها المؤذي قوى لا عدّ ولا حصر لها، بحيث يقتطع الحدث من سياقه الفرنسي والعالمي (والذي تفاعل بالتأكيد مع آليات التهميش والإقصاء والعنصرية للمسلمين والأجانب عموماً، وصولاً إلى تاريخ من الممارسات الوحشية للاحتلال الفرنسي لدول المغرب العربي، وبتر التطوّر الديمقراطي في الجزائر خلال العشرية السوداء) ويوضع فقط في سياق العداء للمسلمين والإسلام.

تكاد وقائع استفحال التطرّف في كل مكان، من بورما والصين والشيشان وداغستان، مروراً بالبقعة الملتهبة للمشرق العربي، وصولاً إلى الضواحي الفقيرة والمهمشة في الغرب، تفقأ العين بكشفها الجليّ عن إفلاس عالميّ هائل في التعامل مع ميراث أكثر من مئة عام من السيطرة الكولونيالية على العالم، فقوى الديمقراطية العالمية استطاعت تفكيك الاستبداد في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي وجنوب افريقيا وأمريكا اللاتينية، لكنها تقف عاجزة أمام مثالها الاستشراقي والاستيطاني والكولونيالي مجسداً في إسرائيل.

كما أن نزعتها النفعية والانتهازية في التعامل مع أنظمة الاستبداد العربية، وحروبها الكارثية في أفغانستان والعراق، ومدرستها الاستشراقية التقليدية في التعامل مع العالم الإسلامي، انعكست تدهوراً نحو درك فظيع من الوحشية تشارك فيه أنظمة متهالكة مع إفرازات تاريخها الإجرامي من «الدولة الإسلامية» إلى «عصائب أهل الحق» و»أحزاب الله» وصولاً إلى «الحوثيين» و»أنصار الشريعة» من تعيّنات لتفكك وتخلخل المجتمعات وانحلالها وانتقامها من المجتمع والدولة معاً. 

المغالطة الكبرى الثالثة تتجلّى فيما عبّر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في طلبه من المؤسسات الدينية المصرية البدء بثورة إسلامية، وهو بذلك يعتبر ما يحصل في العالم مشكلة في الإسلام نفسه وليس في الاختلالات السياسية الكبرى القائمة في العالم والتي تؤسس للظلم والعسف وإرهاب الدول. 

والواقع أن شؤون التنمية والعدالة الاجتماعية وحقوقهم الإنسانية بالحياة والتملّك (تذكّروا أهالي رفح المصرية المقتلعين من بيوتهم) والتنقل والتعبير والانتخاب، هي ما يشغل المصريين والعرب، أما الدعوة لـ»تجديد الفكر الإسلامي» فهدفها وضع اللوم على الإسلام نفسه وعلى المسلمين، واستخدام المؤسسات الدينية المصرية في الصراع السياسي الجاري على الأرض.

وهو ليس صراعاً على الإسلام وتفسيره، كما تزعم الأطراف المتصارعة، بل هو صراع شرس على السلطة، واستخدام الرئيس المصري هو توظيف نفعيّ وإجرائي يخرّب ويضرّ الإسلام نفسه بتحميله مسؤولية ما يجري في العالم.

الإسلام ليس مسؤولاً عن المجازر، في «شارلي ايبدو»، كما في غزة وحلب وبغداد و«رابعة». المسؤول هم من يرتكبون الجرائم، أيّا كانت الراية التي يرفعونها.

 

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

شارلي إيبدو فرنسا الإرهاب الإسلام

ردا علي هجوم «شارلي إيبدو»: وقوع اعتداءات مسلحة على مساجد ومطاعم في فرنسا

12 قتيلا في هجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية .. ومخاوف من تصاعد «الإسلاموفوبيا»

ألمانيا تغلق مسجدا للاشتباه بدعمه لـ«الدولة الإسلامية»

الإرهاب والديانات: المسلمون ليسو أكثر عنفا من أتباع الديانات الأخرى

«الدولة الإسلامية» يشيد بهجوم «شارلي إيبدو» ويصف منفذوه بـ«الجهاديين الأبطال»

قيادي بـ«القاعدة» يشيد بهجوم «شارلي إيبدو» ..ويؤكد أنه «لقن الفرنسيين الأدب»

«حسن نصرالله»: على مسؤوليتي .. الجماعات التكفيرية أساءت للإسلام أكثر من أعدائه

مسلمون ردا علي هاشتاج «اقتلوا جميع المسلمين»: من قتل الأبرياء منذ الاستعمار حتي الآن؟

رئيس الرابطة الكاثوليكية الأمريكية: رسامو «شارلي إبدو» تصرفوا كبلطجية فاجرين

في كل الأحوال .. «أنا لست شارلي إبدو»

القلم رمز للحرية وللعقل أيضاً

عامل مسلم أنقذ رهائن في المتجر اليهودي بباريس

نتنياهو يدعو يهود فرنسا للهجرة لإسرائيل

أحداث باريس تسلط الضوء على قصور قدرات وكالات التجسس

فرنسا تعلن أن مقربين من «كواشي» جهاديون ذهبوا للقتال في سوريا واليمن

شريط فيديو يظهر أحد منفذي عملية احتجاز الرهائن في فرنسا وهو يبايع «البغدادي»

رئيس وزراء فرنسا السابق: «الدولة الإسلامية» وليد مشوه لسياسات الغرب «المتغطرسة»

الغياب الأمريكي عن مسيرة باريس يثير «دهشة» البعض

«شارلي إيبدو» وفشل الليبرالية الغربية

الإفتاء المصرية تحذر «شارلي إيبدو» من نشر رسوم مسيئة للنبي ﷺ في عددها الجديد

محلل أمريكي يعتبر حادثة «شارلي إيبدو» خدعة صهيونية فرنسية

فرنسا بين الإرهاب والعنصرية

محرر سابق في «شارلي إيبدو» يفتح النار على «سلوكها الديكتاتوري وممارساتها الفاسدة»

الجزائر ترفض دفن الأخوان «كواشي» على أراضيها

«أولوند» يدافع عن ”حرية التعبير“ بعد احتجاجات بالخارج ضد رسوم «شارلي إبدو»

مردوخ .. أفكار عقيمة لها 1000 قدم!

«شارلي إيبدو» توقف إصدار طبعاتها لأجل غير مسمى