قامت المملكة العربية السعودية الجمعة الماضية بجلد مدون بتهمة الإلحاد. ربما لا نملك القدرة على منع الإرهابيين من ارتكاب جرائم القتل في مناطق مختلفة في العالم، ولكن هل يمكننا الضغط على الدول؟
في الوقت الذي تنشغل فيه بعملك اليوم وتفكر ويجول بخاطرك مرة أو مرتين (كما آمل أن تكون كذلك) ما حدث لـ«شارب» - أحد أبرز الصحفيين الذين لقوا حتفهم في الهجوم على مجلة شارلي إيبدو الفرنسية الشهيرة قبل أيام - هو وزملائه الفرنسيين، فكّر أيضًا في «رائف بدوي» الذي يعمل - أو كان يعمل - مُدوّنًا في المملكة العربية السعودية.
لقد أيقن «رائف» أن هذه الدولة الخليجية ليست هي المكان الأكثر قبولاً لترويج تلك البضاعة منذ عام عام 2012م عندما أُلقي القبض عليه ووُجهت إليه تهمة استخدام موقعه الذي يحمل اسم «الليبراليون السعوديون الأحرار» على شبكة الإنترنت في الإهانة الإلكترونية للدين الإسلامي. وتم جلد «بدوي» يوم الجمعة 9 يناير/كانون الثاني خمسين جلدة كدفعة أولى من عقوبته.
لقد كانت جريمة «بدوي» هي إدارة موقع على شبكة الإنترنت «يخالف القيم الإسلامية وينشر الفكر الليبرالي». ومن المثير للاهتمام أن أولئك الذين أصدروا الحكم ضده وجدوا أنهم اتهموه بمجموعة من المعتقدات المتناقضة. وكان الحكم قد صدر ضده بالسجن سبع سنوات والجلد 600 جلدة، ما تسبب في موجة دولية عالية من الاحتجاج. أُعيدت محاكمة «رائف»، وما دامت المحاكمة قد أُعيدت فلا بد من تعديل الحكم الصادر بحقه، وبالفعل قضت المحكمة بالسجن 10 سنوات بدلاً من سبع والجلد ألف جلدة بدلاً من ستمائة. وكمظهر من مظاهر الرحمة والشفقة لدى المملكة سيتم توزيع الجلد على مرات بحيث كل مرة لا يزيد فيها عدد الجلد عن 50 جلدة.
تمامًا مثل «نيك كريستوف»؛ فقد كنتُ مُمتنًا لمشاهدة ما يأتيني من تفاعل على حساب «تويتر» الخاص بي من تغريدات مسلمين وعرب يستنكرون هجمات «شارلي إبدو» في باريس بأشد العبارات الممكنة. لقد كنت مُمتنًا ولكني لم أتفاجأ. أي شخص أولى الامر اهتمامًا يعرف أنه في الوقت الراهن يوجد ملايين المسلمين والعرب (من الواضح أنه ليس كل المسلمين عرب والعكس صحيح) يعتنقون ويكافحون من أجل القيم العلمانية الليبرالية. أنا أعرف البعض، إنهم من أكثر الناس الذين التقيتهم شجاعة في حياتي.
لقد حان الوقت لنوقف مطالبنا ودعواتنا للمسلمين والعرب بأن يستنكروا الأعمال الإرهابية فقط لأنهم مسلمون وعرب. الذين رأيتُهم على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ليس لديهم المزيد ليفعلوه مع «الأخوان كواشي» أكثر مما كان يتعين عليّ فعله مع من قصفوا مقر منظمة «ناسيب» - المهتمة بالمساواة بين كافة فئات المجتمع الأمريكي ونبذ العنف والتمييز العرقي - في كولورادو سبرينجز، وهو عمل لم يطلب مني أحد أن أستنكره ببساطة لأنني أبيض. منظمات مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) وكبار المثقفين والأئمة يشجبون أعمالاً مثل هذه لسنوات، ولا أحد يتحدث من قريب أو بعيد عن ذلك.
ولكن البشر شيء والأنظمة شيء آخر. وبالتأكيد؛ فإن جزءًا من السبب على الأقل في أن الإرهابيين يعتقدون أنه لا مانع من قتل الناس الذين يسبّون النبي هو أن الكثير من الدول العربية أو الإسلامية تقول بنفس الرأي. وسيكون من الجميل أن نرى جهدًا دوليًا مُنسقًا لتغيير هذه القوانين التي تكون سببًا في حدوث مثل هذه المصائب التي وقعت هذا الأسبوع.
يمكنك ان تُلقي نظرة على هذا البحث القوي من مركز «بيو» حول قوانين الكفر والردة في جميع أنحاء العالم. نرى أن عددًا قليلاً من البلدان الأوروبية لديها تلك القوانين مثل ألمانيا وبولندا وإيطاليا وأيرلندا ومثلهم مرتين تقريبًا أيضًا. وغالبًا ما تكون العقوبة في هذه البلدان غرامة. ومن الناحية النظرية يقضي المتهم بتلك التهمة فترة قصيرة في مكان شديد البرودة، ولكن في الواقع نادرًا ما تُطبق هذه القوانين في تلك البلدان، وفي بعض الدول لم يكن هناك قضايا أمام المحاكم من هذه النوعية منذ سنوات أو حتى عقود.
لكن انظر الآن إلى الشرق الأوسط.؛ فإنه وفقا لاستطلاعات مركز «بيو» الأمريكي فإن 14 دولة من أصل 20 في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لديها قوانين خاصة بالكفر. إنها حتى الآن أعلى نسبة على مستوى جميع مناطق العالم بحسب تقسيم مركز «بيو». كما يظهر من القائمة أن هذه العقوبات تتراوح بين عقوبة السجن لفترة قصيرة و/أو غرامة كبيرة نسبيًا (....).
ولكن دعونا نخطو الخطوة أولاً هنا في الغرب. دعونا نبدأ مع ألمانيا وأيرلندا وغيرهما ممن لديهم جرأة نسبية على تطبيق قوانينهم التي عفى عليها الزمن، وبعد ذلك لن يجد الرجعيون فرصة رفع أصواتهم بعبارات وخطب «النفاق» التي يتوددون بها إلينا. ثم دعونا نضغط على هذه الأنظمة المظلمة لتبدأ التغيير متذكرين أننا «كلنا شارلي» كما أننا «رائف بدوي» أيضا.