ذكرت افتتاحية صحيفة «رأي اليوم» الالكترونية أن الأمير «محمد بن نايف» ولي ولي العهد السعودي، والمسؤول عن الملف الأمني في بلاده، سيصاب أكثر من غيره بحالة من ”الصدمة“، بعد تلقيه أنباء الهجوم الانتحاري الذي استهدف مسجد الإمام علي بقرية القديح الشيعية شمال مدينة القطيف، لأنه ارتبط اسمه وسمعته بالنجاحات الكبيرة التي حققها كوزير للداخلية في القضاء على تنظيم «القاعدة» وخلاياه في الداخل السعودي، وارتقائه إلى مرتبة الرجل القوي في بلاده، والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص.
هذا الهجوم، بحسب الصحيفة، لا يستمد خطورته من عدد ضحاياه، ولا من استهدافه للمواطنين الشيعية في المملكة، وإنما أيضا من كون منفذه، مثلما أفادت التقارير الأولى، ينتمي إلى تنظيم «الدولة الاسلامية»، مما يعني أن خلايا هذه ”الدولة“ تنتشر و”تتمدد“ في العمق السعودي أيضا، وتنجح في اختراق السياج الأمني الذي يحاول منعها.
الاستراتيجية الأمنية السعودية تتمحور حول هدف اساسي وهو تأمين الجبهة الداخلية السعودية من أي أعمال عنف، ومحاربة الجماعات الإسلامية المتشددة خارج حدود المملكة (سورية العراق اليمن وليبيا) لمنع وصولها إلى المملكة، وقد حققت هذه الاستراتيجية نجاحات ملموسة طوال الأعوام الخمسة الماضية، حيث تقلصت أعمال الارهاب والعنف، ولم تشهد المملكة أي هجمات إرهابية كبرى غير ذلك الهجوم الذي وقع في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، ونفذه مسلحون متشددون في منطقة القطيف، وأدى الى مقتل ثمانية أشخاص.
يسيطر تنظيم «الدولة الاسلامية» على نصف الأراضي السورية، وثلث العراقية، ويكتفي ذاتيا في ميداني السلاح والمال، وأدت انتصاراته العسكرية الأخيرة في الاستيلاء على مدينتي الرمادي في العراق، وتدمر، ومعبر الكنف الحدودي السوري العراقي إلى تعزيز رقعته الجغرافية، والاستيلاء عل المزيد من الاسلحة من الجيش العراقي، والاقتراب أكثر من الحدود السعودية العراقية أحد أبرز أهدافه المقبلة.
وأضافت الصحيفة أن الصدمة التي يمكن ان يشعر بها الأمير «محمد بن نايف» من جراء هذا الهجوم، ليس لأنه المسؤول الأول عن الأمن كوزير للداخلية، وإنما لأنه أيضا رئيسا للجنة الأمن والسياسة السعودية العليا التي تضم وزارة الدفاع وجهاز المخابرات العامة، والمباحث الداخلية، والحج، والاوقاف، ووزارة الخارجية أيضا، وهذه اللجنة هي الأقوى في البلاد، وهي التي تشرف على «عاصفة الحزم» السعودية في اليمن، والتحالف الثلاثي الجديد الذي يضم تركيا وقطر إلى جانب السعودية، ويشرف على دعم وتمويل المعارضة المسلحة وعملياتها العسكرية في سورية، إنها باختصار شديد «مجلس الحرب الأعلى» في البلاد.
القيادة السياسية والأمنية السعودية لا تستطيع، وفق ما ترى «رأي اليوم»، أن تخوض عدة حروب في وقت واحد، في الداخل والخارج، خاصة أن الحرب في اليمن مرشحة للامتداد لأشهر، وربما سنوات، وبدأت تنتقل بشكل مباشر إلى الحدود اليمنية السعودية التي تشهد اشتباكات وقصف مدفعي وصاروخي أدى إلى شل شبه كامل للحياة في مدن سعودية كبرى مثل جازان ونجران.
واذا كان قلق القيادة السعودية من هذا الهجوم وتوقيته، يأتي من الحرص على الجبهة الداخلية وامنها واستقرارها بالدرجة الاولى، وهو قلق مشروع، فان قلقها الأكبر من استفحال ”الفتنة“ الطائفية وتحولها إلى إعمال انتقامية متبادلة تغذيها أطراف خارجية وداخلية.
ولا يغيب عن أذهان هذه القيادة أن هناك ما يقرب من الثلاثة ملايين مواطن شيعي في المملكة، يتركز معظمهم في منطقة الاحساء، مركز الصناعة النفطية السعودية، وهؤلاء يجب أن يتمتعوا بالأمن والأمان، وأن يعاملوا على قدم المساواة مع أشقائهم السعودين، وتكرار الهجمات على مساجدهم وحسينياتهم، ربما يدفع بعض المتطرفين في صفوفهم إلى اخذ القانون بأيديهم، والاقدام على أعمال انتقامية، مما قد يؤدي إلى ادخال البلاد في دوامة من العنف الدموي ليس لها نهاية.
الورقة الأهم في يد السلطات السعودية هي الأمن والاستقرار وإبعاد جبهتها الداخلية عن أي صراعات داخلية، وهي الورقة التي جعلت الكثير من مواطنيها وشيوخها يلتفون حولها، ويتقبلون ما يكرره المسؤولون في بلادهم بتذكيرهم بنعمة الأمن التي يعيشون في ظلها، بالمقارنة مع دول الجوار العربي الاخرى.
واختتمت الصحيفة مؤكدة أن هذه الورقة لم تعد بالقوة نفسها التي كانت عليه قبل خمس أو عشر سنوات، في ظل اتساع رقعة الحروب التي تخوضها المملكة، أو تخاض ضدها، في أكثر من جبهة خارجية، وبدأت ارتداداتها تظهر بصورة أكثر وضوحا في جبهتها الداخلية، الأمر الذي يحتم المراجعة لبعض السياسات المتبعة.