لم يخامرنا شك بعدم استقلالية القضاء المصري سواء في عهد الرئيس مبارك او في المرحلة التي جاءت بعد الاطاحة به، فعندما يقبل رئيس المحكمة الدستورية العليا (عدلي منصور) ان يكون رئيسا صوريا وواجهة لنظام عسكري فإن هذا هو الدليل الابرز على ما نقول والباقي يظل من قبيل التفاصيل.
بالأمس برأ القضاء المصري الرئيس مبارك واركان حكمه من كل التهم الجنائية الموجهة اليهم، وباتوا احرار طلقاء، مطهرين من دماء الشهداء، وكل جرائم نهب المال العام، والتكسب وتكوين المليارت من الجنيهات من عرق الفقراء والجوعى والبسطاء من ابناء مصر الطيبين.
هذه أكبر سقطة للقضاء المصري على مر العصور، وإهانة لدماء الشهداء، وانقلاب على الثورة المصرية التي ضحوا بدمائهم وارواحهم من اجلها ومن اجل اسقاط حكم دموي فاسد سيطرت عليه عصابة من اللصوص والبلطجية.
انه حكم يثأر من الشهداء، ومن الملايين الذين نزلوا الى الشوارع وعلى مدى عدة اعوام للمطالبة بحقوقهم المشروعة والعدالة الاجتماعية ولقمة العيش المغمسة بالكرامة والعزة.
هذه البراءة، وبمثل هذه الحيثيات التي لا يمكن ان يقبلها عقل او منطق، ناهيك عن الاصول القانونية والقضائية، جاءت لتؤكد نجاح الثورة المضادة في مصادرة الثورة وكل انجازاتها، وتعيد عقارب الساعة الى الوراء، وبيع ثروات مصر بأسعار بخسة للاحتلال الاسرائيلي.
طبعا سيفرح اركان النظام السابق وانصاره، وسيشمتوا بالشعب المصري الطيب الذي اعتقد ان جلاديه سيواجهون العقاب الذي يستحقون كإستحقاق للجرائم الكبرى التي ارتكبوها في حقه، ولكنها فرحة لن تطول، لان هذا الشعب لن يصمت، ولن يقبل هذه الاهانات.
عندما قال الكثيرون، ونحن في هذه الصحيفة من بينهم، ان نظام الرئيس مبارك عائد الى الحكم بعد احتجاجات 30 حزيران (يونيو) واستيلاء الجيش على السلطة، خرجت اصوات عديدة، خاصة من وسائل الاعلام تشكك في هذا الكلام وتتهم اصحابه بمساندة الجماعات الاسلامية، ايدوا المجازر التي ارتكبت اثناء فض اعتصامات رابعة العدوية، او في حق المتظاهرين امام ثكنات الحرس الجمهوري.
انه انقلاب قضائي، يأتي بعد انقلاب عسكري اطاح بنظام ديمقراطي اختاره الشعب في انتخابات نزيهة وشفافة، لانهاء مرحلة الطغيان وحكم الفساد والمحسوبية.
الشعب المصري تعرض لاهانات عديدة طوال القرون الماضية، ولكن هذه الاهانة هي اكثرها ايلاما، لانها تشكل استهتارا به ومشاعره وتطلعاته في حياة كريمة ومؤسسات حكم نزيهة.
النخبة السياسية والثقافية المصرية مطالبة بأن تنتصر للشعب، وتتصدى لهذه المهزلة، وتوقف من يقفون خلفها عند حدهم والا فانهم يخونون الامانة، ويتخلون عن دورهم وواجباتهم، ويقبلون بإعادة مصر عقود الى الوراء، الى عصور الطغيان والديكتاتورية والمحاكم العسكرية.