حرب النفط السعودية ضد إيران وروسيا

الثلاثاء 16 ديسمبر 2014 07:12 ص

انخفض سعر النفط هذا الأسبوع مسجلاً 60 دولارًا للبرميل في حين أن البنزين في محطة التعبئة المحلية القريبة مني كان 2.26 دولارا للجالون. وهذه أنباء سارّة بالتأكيد للمسافرين وكل الأعمال تقريبا، ولكنها في الوقت ذاته سيئة تمامًا لأبشع أعدائنا.

إذا واصلت أسعار النفط انخفاضها خلال العام المقبل فإن التأثير على الحكومات المارقة من روسيا الاتحادية إلى فنزويلا سوف تتحول من مجرد الإصابة ببعض التلف أو الضرر إلى الدمار. 

لكن الاقتصادات الغربية (والصين) ستستفيد بهذه الأسعار المتهاوية، ما قد يستحث السوق الأوروبي على الاستيقاظ من غفوته. وحتى أكثر الدول تخلفًا سوف تحصل على استراحة ترحيب.

لقد قادت المملكة العربية السعودية - القوة المهيمنة في منظمة أوبك - عملية هبوط الأسعار. وفي الوقت الذي تُعدّ فيه خطوة المملكة طبيعية كرد فعل على طفرة الطاقة في أمريكا الشمالية، لكن الدافع الأبرز يتبلور في كسر إرادة الجمهورية الإيرانية.

ويعتقد السعوديون أنه ما عاد يمكنهم الاعتماد على الولايات المتحدة لاحتواء تهديد طهران النووي الوشيك، ومن ثمّ فإنه يمكنهم القيام بما لا تستطيع عقوباتنا الفاترة فعله.

كما لا يوجد في الوقت ذاته حب مفقود بين السعوديين والروس. فالسعوديون يريدون رحيل نظام «بشار الأسد» في سوريا، وموسكو أحد أبرز الداعمين له.

لا يفعل السعوديون أي شيء من هذا لمساعدتنا، لكن ما يفعلونه يُفضي في نهاية المطاف إلى مساعدتنا. والآن؛ القضية الرئيسية هي: إلى متى سيبقى انخفاض الأسعار؟

قد تكون الأسواق خارج أي توقعات، لكن وفرة المعروض عالميًا وخفض الطلب وزيادة الكفاءة تشير إلى أن المنتجات البترولية ينبغي أن تظل رخيصة نسبيا - مع التقلبات - على مدى السنوات القليلة المقبلة. إنه لخبر سارٌّ للديمقراطيات والأسواق الحرة، لكنه كابوس للديكتاتوريين في كل مكان.

أبرز الخاسرين

إيران

لقد تعلمت طهران كيف تتكيف وتدير شئونها مع العقوبات الغربية المفروضة عليها. ويُعدّ النفط شريان الحياة لها. ولكي تحقق التوازن لميزانيتها فإنها بحاجة لبيع نفطها بين 135 و140 دولار للبرميل. حظ أوفر للمرشد الأعلى!

وفي ظل سعر برميل بالكاد يقترب من 40٪ مما تعوزه إيران فسيدخل الاقتصاد في نزيف حاد. وسوف يتعرض قادة إيران إلى أكبر ضغط يُمارس عليهم للتنازل عن الأسلحة النووية - ما لم نقم من جانبنا بتخفيف العقوبات مقابل لا شيء. هذه هي الفرصة الأخيرة التي تجعل المفاوضات تؤتي ثمارها المرجوة.

وتتمثل الزاوية الرائعة هنا في بذل المملكة العربية السعودية المزيد من الجهد لأمن إسرائيل أكثر مما تعلن إدارة الرئيس «أوباما» استعدادها للقيام به. إن العدو المشترك يُولّد تحالفات غير متوقعة وإن لم تُعلن رسميًا.

روسيا

لا يمكن لانخفاض أسعار النفط أن يأتي في وقت أسوأ من هذا بالنسبة للرئيس السيئ «فلاد بوتين». ويحتاج الرئيس الروسي إلى أسعار نفط حول معدل 100 دولار للبرميل لدعم اقتصاده الذي يعتبره في زمن الحرب. ويوفر النفط والغاز ما يصل إلى ثلث إيرادات الميزانية كما أنهما ثلثي الصادرات تقريبًا. 

وتنخر العقوبات المفروضة على عدوان «بوتين» في الاقتصاد الروسي، ولكن انخفاض أسعار النفط بهذه الصورة بمثابة اللدغات العميقة: لقد تهاوى الروبل الروسي، وأصبحت السندات الروسية في حالة يُرثى لها، ودخلت الاحتياطيات الأجنبية في نزيف.

وفي الوقت الذي يتحمل فيه الروس عناء أوقات أصعب من التي سوف يقاسيها الغربيون، فإن «بوتين» قد ألزم نفسه بالتزامات باهظة (رهانه بالسعي لإعادة 50 مليار دولار بددها على البناء الأوليمبي الفاسد).

لقد أقحم ذلك المستأسد عاري الصدر نفسه في عملية مراكمة أسلحة واسعة مع مركز قيادة فائق التكنولولوجيا بقيمة خمسة مليارات دولار أمريكي فقط. لكن رؤية «بوتين» لإعادة بعث الجيش الروسي أصبحت لا تطاق.

كما أعطى وعودًا انتخابية لتحسين نظام الرعاية الصحية المزري في روسيا. وبدلاً من ذلك؛ قام بتسريح العاملين في مجال الرعاية الصحية وأغلق عددًا من المستشفيات. لقد تعهد برفع مستويات المعيشة، لكن «إيفان» – اسم عام مشهور في روسيا – يشعر حاليًا أن ما حدث هو العكس. ويواجه «بوتين» أيضًا التكاليف الباهظة في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا صاحبتا الجوائز التافهة بعد خسارتهما، والأخيرة منهما تُسرع نحو الهاوية.

والحق يُقال أنه لا تزال شعبية «بوتين» عالية حتى اللحظة، لكن القلق الأخطر هو أنه في ظل المأزق الذي لا يعرف سبيلاً للخروج منه فإنه سيلعب ببطاقة روسيا الأم ويهاجم مجددًا.

العراق

ليس لدى العراق ما يقدمه للعالم سُوى النفط. وتحتاج بغداد لتمويل يطيل فترة صمودها أمام عناصر «الدولة الإسلامية» المتشددة.

ويكره السعوديون الدعوات المطالبة بالخلافة من تنظيم «الدولة الإسلامية»، وفي الوقت ذاته لا يكنّون أي تعاطفٍ تجاه حكومة بغداد الشيعية الموالية لإيران. لذا؛ اطرد من رأسك فكرة أن انخفاض الأسعار إنما جاء من أجل صالح العراق.

وتكمن المشكلة في أننا سنصل في النهاية إلى دفع أكثر مما تتطلبه فاتورة المعركة من أجل تظاهر بغداد أن العراق يمكن أن تظل متماسكًا. ليست مشاكل العراق في المناطق التي سيطر عليها ”إرهابيو“ «الدولة الإسلامية»، لكنها أحد الأعراض المتعددة.

الفائزون

الولايات المتحدة الأمريكية.. حقًا!

على الرغم من أن بعض الأطراف الفاعلة في مجال الطاقة سوف يعانون من انخفاض الأسعار وسنرى موجة من اندماج الشركات، إلا إن أخبار انخفاض أسعار النفط للمستهلكين الأمريكيين والشركات وحتى - على المدى البعيد - جيشنا هي مبعث سرور.

وقد حصل الاقتصاد الذي كان قد بدأ استرداد عافيته على جرعة فيتامين أخرى في الوقت الذي حصلت فيه ميزانيات الأسرالعاملة على فرصة مناسبة.

وتهدف الاستراتيجية السعودية أيضا إلى الإضرار بصناعة الطاقة المزدهرة لدينا؛ مثل استخراج النفط الصخري في ولاية داكوتا الشمالية. ولكنها لن تعرقل ذلك، وسيكون التأثير الكلي على اقتصادنا إيجابيًا.

ولعل أكبر فائدة في انخفاض أسعار النفط هو ما يترتب من نتائج تفتقر إدارة «أوباما» الشجاعة للقيام بها: صفع أعدائنا بقوة.

وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «هيلاري كلينتون» لم تُعد العلاقات مع موسكو كما كانت، لكن أسعار النفط المنخفضة تفعل. وقد يكون على إيران التخلي عن أحلامها بالهيمنة النووية في الشرق الأوسط.

وتستفيد كل دولة كبرى تقريبًا من انخفاض أسعار النفط؛ من اليابان إلى الهند، سواءًا أكانت حليفة أو محايدة. سعي المملكة العربية السعودية لتحقيق مصالحها هي مساهمة في الوقت ذاته في إنقاذ سياستنا الخارجية الفاشلة.

الصين

ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم (بعد الولايات المتحدة الأمريكية) وفقيرة للغاية في احتياطيات النفط والغاز المحلية، وتسير بيكين في طريقها نحو إنفاق نصف تريليون دولار سنويًا على واردات الغاز والنفط.

ويمكن خفض هذا الرقم إلى النصف تقريبًا إذا ظلت أسعار منتجات النفط منخفضة. وتوفر أسعار النفط والغاز المنخفضة للصين طريقًا آخرًا للحد من التلوث الهائل؛ نظرًا لأن معظم التلوث المنبعث منها يأتي من استخدام فحم محلي منخفض الجودة. لقد انزلقت معدلات النمو الرائعة في الصين، ولكن انخفاض أسعار النفط سيساعد في تخفيف أي سقوط.

الهند

ويأتي انخفاض تكاليف استيراد الطاقة باعتباره نعمة في الوقت المناسب. لقد انخفضت معدلات النمو بنسبة 60% في وقت يتعين فيه على الهند أن تنفق على نطاق واسع لاستيراد ثلاثة أرباع النفط الذي تستهلكه.

انخفاض تكاليف الطاقة من شأنه أن يساعد نيودلهي على الحفاظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي ولو بوتيرة أقل تقييدًا مما كان في العقد الماضي. ويؤدي الانخفاض في الأسعار إلى جعل خط أنابيب الغاز الذي تريد روسيا زرعه في المنطقة أقل جاذبية.

كندا

هل يُقال ”الويل لكندا؟“ أو يُكتفى فقط بالأمر”توقفي كندا!“. إن الانخفاض الحاد في أسعار النفط يجعل استغلال مخزونات قطران الرمال الكندية أقل قابلية للحياة - خيبة أمل بالغة لخبراء الميزانية في «أوتاوا» - ولكن الاقتصاد الكندي المتنوع والقوي يدفع نحو تخطي الأزمة المتعلقة بكل مقاطعة: فقدان صناعة واحدة هي مكسب لآخرين.

وهناك بعض المناطق التي ستُضرب بشدة (تمامًا كما في الولايات الأمريكية الــ48 المجاورة)، لكن أمريكا الشمالية لا تزال تبدو صاحبة أفضل الصفقات إشراقا من الناحية الاقتصادية أكثر من اليساريين في جميع أنحاء العالم؛ والذين أطلقوا تحذيراتهم لقرن من الزمان.

المكسيك

قبل عقد من الزمان، دمر انخفاض مثل هذا اقتصاد المكسيك المعتمد على النفط. لكنّ تنويع الخيارات والتعاقدات الذكية ورفع القيود، كل ذلك يجعل الاقتصاد المكسيكي - على الأقل في العام القادم – لايتأثر كثيرا بانخفاض الأسعار.

غير أن استمرار هذا الانخفاض لسنوات سيجعل الاقتصاد المكسيكي يعاني. فمازالت الحكومة تعتمد على النفط لتوفير ثلث إيراداتها، كما يمثل النفط 15% من الصادرات.

سيتراجع  الاقتصاد المكسيكي بصورة حادة، بينما يكفل اقتصادنا المزيد من الهجرة غير الشرعية.

ضرر غير مباشر

فنزويلا

نستطيع القول إن الاقتصاد الفنزويلي قد مُسح تمامًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ فهناك نقص في كل شيء من الطحين والحليب حتى مناديل دورة المياه اختفت من السوق. الدولة التي كانت فيما مضى أغنى دولة في أمريكا الجنوبية على أساس نصيب الفرد، انهارت صناعتها النفطية وأصبح اقتصادها يلهث بعد حكم خمسة عشر عامًا للاشتراكية. 

هروب رأس المال وتفشي المحسوبية الحزبية وعرقلة عمليات الرقابة على الأسعار والفساد الهائل الذي يميز اليوتوبيا اليسارية دائمًا ترك مؤسسة واحدة هي التي تعمل في الدولة - الشرطة السرية (مُدربة ومدعومة من الكوبيين).

ويعاني الرئيس التعيس «نيكولاس مادورو» - وريث ”التشافيزية“ (اقتصاديات الفودو الحقيقي)– الذي خلف الرئيس الراحل «هوجو شافيز»  ليس بسبب عدم كفاءته مثل معلمه لكنه يفتقر إلى مثل الكاريزما التي كان يتمتع بها الراحل. وبطبيعة الحال؛ فهو يلقي باللوم في كل شيء على الأمريكيين.

إذا بقيت أسعار النفط في انخفاض فتسقط الحكومة في كراكاس. وهذا لن يكون جيدًا. وسوف يستغرق الاقتصاد عقودًا لإعادة البناء من جديد.

البرازيل

في ظل اقتصادها الضخم المتنوع فإنها حتمًا ستكون قادرة على الصمود في وجه تراجع عائدات النفط. لكن الحكومة الاشتراكية الحالية تعتمد على دخل الطاقة لدعم البرامج الاجتماعية المُلحة وحماية الاقتصاد من آثار الفساد المستشري.

وتعاني صناعة الطاقة في البلاد من حالة فوضى. نستطيع القول إجمالاً إن البرازيل ستنجو لكنها لن تزدهر في حين بقيت أسعار النفط منخفضة.

نيجيريا

تواجه نيجيريا حاليًا أزمة في الميزانية تلوح في الأفق في ظل انهيار جهود الإصلاح وحالة الهيجان التي تعيشها «بوكو حرام» في الشمال. وتعتمد تلك الدولة الإفريقية صاحبة أكبر التعدادات السكانية في القارة السمراء – على النفط في توفير ثلاثة أرباع الإيرادات الحكومية وثلث الاقتصاد و90% من صادراتها.

انهيار السعر هو خبر صادم لبلد غير منطقي بالمرة في ظروفه بالنظر إلى شمال فقير للغاية ذات أغلبية مسلمة وجنوب غني بالنفط ذات أغلبية مسيحية. إذا كان هناك حليف واحد من الناحية الاسمية يجب أن نقلق بشأنه مع هذا الانخفاض البالغ في أسعار النفط فإنها نيجيريا.

المصدر | رالف بيترز، نيويورك بوست

  كلمات مفتاحية

حرب أسعار النفط السعودية إيران روسيا انخفاض أسعار النفط أمريكا النفط

روسيا لن تخفض إنتاجها النفطي ولا ترى حدا أدنى للسعر

بورصات الخليج تتهاوى مع هبوط النفط دون 60 دولار .. وخسائر تتجاوز 250 مليار دولار منذ نهاية أكتوبر

الرابحون والخاسرون في حرب أسعار النفط حول العالم

السعودية تشعل الحرب ضد النفط الصخري بـ«خفض الأسعار» بعد رفضها حفض الإنتاج

الروبل الروسي يواجه شبح الانهيار مع تراجع النفط

السعودية تشن حرب أسعار ”غير مُقنِعة“ على النفط الصخري الأمريكي في اجتماع «أوبك»

السعودية تعلن حربا نفطية لتركيع وهزيمة إيران وروسيا .. هل ستنجح هذه المرة؟ وما ثمن النجاح؟

خامنئي يحذر: الاعتماد على النفط يضع إيران تحت رحمة القوى الكبرى

ضد من تستخدم السعودية سلاح النفط ؟!

محلل إسرائيلي: «ربيع النفط» سيضع نهاية لنفوذ دول الخليج بعد انهيار الأسعار

تراجع النفط يهدد بوقف مشاريع نفطية بقيمة تريليون دولار حول العالم

رئيس أركان الجيش الإيراني: إيرادات نفط السعودية تخصص لدعم «الدولة الإسلامية»

الانقلاب النفطي ضد روسيا: الحِيل الأمريكية - السعودية تسبب ترنح أسواق الأسهم والائتمان

استراتيجية السعودية تستهدف ما هو أكثر بكثير من تدمير إنتاج النفط الصخري الأمريكي

مجلس الوزراء السعودي: اقتصاد وصناعة المملكة قادران على تحمل تذبذبات دخل النفط

النفط والطغاة

صفقة مرتقبة بين «بي.بي» و«روسنفت» لتعزيز خطط استثمار النفط في روسيا

مساعد وزير الخارجية الإيراني يبحث في أبوظبي العلاقات الثنائية ومكافحة ”الإرهاب“

«أوباما» يعترف: خفض أسعار النفط «قرار سياسي» لإضعاف روسيا

اعتراف أوباما يؤكد أن خفض السعودية للأسعار كان قرارا سياسيا بالتنسيق مع واشنطن

السعودية لم تتعمد تحطيم أسواق النفط

وكالات إيرانية: زيارة مرتقبة لـ«رفسنجاني» إلى السعودية لبحث أزمة النفط

بعد مواقفهما المشتركة...إيران وروسيا ستعززان تعاونهما العسكري

إيران: الرئيس الإيراني نعى العاهل السعودي ووزير الخارجية سيحضر المراسم الرسمية

ارتفاع احتياطات النقد السعودية إلى نحو 800 مليار دولار في عهد الملك الراحل

«نيويورك تايمز»: السعودية تستخدم النفط كسلاح سياسي ضد «روسيا»

إيران تعتزم خفض أسعار النفط لمجاراة السعودية وزيادة حصتها في الأسواق

«صالحي»: روسيا وافقت مبدئيا على توفير الوقود النووي لمحطة بوشهر