قالت صحيفة «القدس العربي» أن الضربات الجوية السعودية «تبدو فاتحة لخروج المنطقة من إشكاليات استراتيجية بدأت مع الثورات العربية، لكنّ على رأسها إشكاليات سياسية للسعودية نفسها».
وبدأت السعودية عملية عسكرية كبيرة ضد حركة «أنصار الله» الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق «علي عبد الله صالح» حظيت بمشاركة أو موافقة دول عربية وإسلامية، كما قدّمت الولايات المتحدة الأمريكية غطاء استخباراتيا ولوجستيا لها، فيما «أكد» الأمين العام للأمم المتحدة شرعية الرئيس «عبد ربه منصور هادي».
وعلى الرغم من «القلق» الأوروبي من التداعيات الإقليمية، إلا أن الدعم توالى من عواصم بريطانيا وفرنسا وألمانيا (تفهّمت إيطاليا، لغرض ليبيّ في نفسها ربما،بحسب ما ترى الصحيفة)، كما أن خارجية النظام السوري أبدت بدورها «قلقها»، بينما هاجم إعلامها ما وصفه بـ«عدوان السعودية السافر»، واعتبر وزير خارجيتها أن التدخل العسكري من الخارج «ضد وحدة أراضي اليمن وشعبها لن تكون له أي نتيجة سوى مزيد من القتلى وإراقة الدماء»، وهو أمر يتراوح بين التنبؤ والتهديد، كما انه نفس الموقف الذي أكد حليف دمشق اللبناني «حسن نصر الله» مساء الجمعة.
ورأت الصحيفة أن الحوثيين «تلقّوا الضربة الكبيرة غير المتوقعة» وأنهم «عادوا فجأة من موقع الطاغية الصغير المتنمّر الذي يطلق الرصاص على المظاهرات السلمية إلى استخدام تظاهرات لأنصارهم في صنعاء وخُطب لقادتهم تؤكد «الانتصار على المعتدين»، فيما تراجعت قوّاتهم على الأرض كالجزر البحريّ بعد مدّ كبير.
وبحسب الصحيفة، فإن الرياض التي قامت باحتضان الرئيس السابق «علي عبد الله صالح» وأعادته إلى كواليس ممارسة القوّة في اليمن، غفلت عن التخلخلات الجيولوجية العميقة للبنية السياسية في اليمن والمنطقة، فالعمل على تحجيم الحراك الشبابي أدّى لاحقا لاستهداف اتجاه الإسلام السياسي (السنّي)، ما خلق فراغا كبيرا ملأته الحركة الحوثية المدعومة إيرانيا وما لبث «صالح»، الحليف المفترض للرياض، أن انضمّ للقافلة حالما بالعودة إلى رأس السلطة ملتحفا بالحوثيين وإيران.
ردود الفعل الشعبية والدولية على العملية تؤكّد أنها ترسم خطّا جديدا للصراع في المنطقة، شادة العصب لمنظومة عربية متهالكة وهشة، دافعت عن أجندات غيرها، وامتنعت عن المبادرة فخسرت مصداقيتها لدى شعوب المنطقة، وتراجع تأثيرها إلى درجات غير مسبوقة.
العملية المفاجئة تفصح عن إحساس سعودي وخليجي بأن الحلفاء قبل الأعداء صاروا ينظرون إلى الأنظمة العربية باعتبارها نمورا من ورق تشاهد اقتراب النار من بلدانها ولا تصنع حيالها شيئا.
كما أنها تبين إن واشنطن لا يمكن أن ترفض مبادرة عربية تشارك فيها كل هذه الدول، رغم أنها جاءت في وقت حاسم من مفاوضاتها حول النووي الإيراني، وهذا تغيير عن الموقف الانتظاريّ لتحرّك أمريكي لن يأتي أبدا، كما حصل في سوريا.
وتحمل مشاركة (أو دعم) كل من قطر وتركيا ومصر في العملية دلالة رمزيّة كبيرة، فهي تصحّح، نظريا على الأقل، خطأ استراتيجيا مصرياً تمثل في جعل الصراع الداخلي (مع الإخوان المسلمين) أولوية كبرى تفوق أهمية الصراع الجاري على المنطقة، بحسب ما ترى الصحيفة.
وبذلك تكون العملية ردّا من المنظومة العربية وحلفائها على تمدّد «الإمبراطورية» الإسلامية الإيرانية أكثر بكثير مما تحتمله المنطقة. لكل ذلك وغيره، فإن العملية تقدّم سابقة ستكون لها، على الأغلب، مفاعيل كبيرة.