أثار الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع القوى العالمية، اليوم الثلاثاء، الكثير من التساؤلات، حول تأثير هذا الاتفاق على إيران واقتصادها من جهة وعلى دول المنطقة من جهة أخرى، لا سيما تلك التي تتشابك مع طهران في علاقات سواء كانت قوية أو متوترة.
فلا يخفي منتقدو الاتفاق ومنهم معظم دول الخليج العربي، وإسرائيل، أن إيران تصر على توسيع نطاق نفوذها بالشرق الأوسط، وستسعى للاستفادة من الآثار الاقتصادية الناجمة عن هذا الاتفاق، في توسيع هذا النفوذ ودعم حلفائها اقتصاديا.
في المقابل، يرى مراقبون أن واقع الاقتصاد الإيراني سيجعلها مهتمة بالأساس بكيفية الخروج من هذا الواقع المظلم، دون النظر إلى من حولها.
وكان وزير الخزانة الأمريكي «جاكوب ليو»، قال مؤخرا إن الناتج المحلي الإجمالي الإيراني انخفض بنسبة تصل إلى 20% نتيجة العقوبات، وأن طهران خسرت ما يزيد على 160 مليار دولار من عوائد النفط منذ 2012.
وقال «والتر بوش»، الخبير في الشؤون الإيرانية بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: «من المؤكد أن الأولويات بالنسبة لإيران تتعلق بالجانب الاقتصادي... هناك الكثير الذي يحتاج للإصلاح والحل في إيران».
ويصطف المستثمرون المحتملون على الأبواب في انتظار رفع العقوبات حتى يستطيعوا التحالف مع شركاء محليين لتحسين البنية الأساسية في إيران، بحسب «وليام أ. بيمان»، الخبير بالشؤون الإيرانية بجامعة «مينسوتا»، والذي عاد حديثا من زيارة استمرت ثلاثة أسابيع لإيران.
ونقلت رويترز عن «بيمان»، قوله: «سيكون هناك الكثير من الشركات الأجنبية... لا يمكن أن تذهب إلى أي مكان بالبلاد إلا وتصادف مجموعة من المستثمرين الأجانب المحتملين، إنهم في كل مكان».
وفور انتخابه عام 2013، وعد الرئيس الإيراني «حسن روحاني» بنمو الاقتصاد وتوفير فرص العمل، ببرنامج اشتمل على إنهاء عزلة إيران.
ورغم أن قطاع النفط والغاز هو الأكثر تحقيقا للأرباح في إيران، فإنه وصل الآن إلى حالة سيئة لدرجة لا تسمح حتى بأن تكرر طهران ما يكفي من البنزين لتغطية احتياجات البلاد.
غير أنه، إذا نجح كل هذا النشاط الاقتصادي في توفير فرص العمل وتحقيق استقرار الأسعار فإن هذا سيساعد «روحاني»، على إثبات أن مسعاه لإنهاء عزلة إيران الدولية قرار سليم.
في الإطار ذاته، قالت شركة «رويال داتش شل»، الشهر الماضي، إنها عقدت اجتماعات مع مسؤولين إيرانيين في طهران، وتبلغ قيمة ديونها لإيران نحو ملياري دولار من جملة 150 مليار دولار أو أكثر يقدر أنها مجمدة أو يحظر التصرف فيها في الخارج بموجب العقوبات.
كما أجرت شركات للسيارات والطيران اتصالات بشركات إيرانية بشأن صفقات محتملة تتصدرها مؤسسات فرنسية وألمانية.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة، هل هذا الحراك الاقتصادي سيكون له تأثير على نفوذ إيران في المنطقة، أم سيقتصر تأثيره على إنعاش الاقتصاد فقط«، لا سيما أن السلطة في إيران ليست بيد الرئيس وحده، فللحرس الثوري وهو القوة العسكرية الأقوى بالبلاد دور اقتصادي كبير، ولا شك أنه سيحقق مكاسب كبيرة من تدفق الاستثمارات.
وكان الحرس الثوري بالأساس منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 هو الجهة التي سعت إلى استعراض نفوذ إيران في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط، مما وضع طهران في خلافات مع كتلة القوى السنية المنافسة المتحالفة مع السعودية.
ففي الأعوام الأربعة الأخيرة، أرسلت إيران مستشارين عسكريين ومقاتلين وأموالا وأسلحة لدعم رئيس النظام السوري «بشار الأسد»، وتلقى «حزب الله» اللبناني، أقدم وكلاء إيران بالمنطقة، مزيدا من التمويل والأسلحة من طهران حين اضطلعت بدور بارز في مساندة قوات «الأسد» في الحرب بسوريا.
وفي العراق المجاور اضطلع المستشارون العسكريون الإيرانيون بدور رئيسي في مساعدة الحكومة التي يقودها الشيعة والفصائل الشيعية المسلحة في صد زحف تنظيم «الدولة الإسلامية» واستعادة كثير من الأراضي التي سيطر عليها بالبلاد.
كما تقدم إيران دعما سياسيا لجماعة الحوثي، التي سيطرت على معظم اليمن وللشيعة في البحرين التي يحكمها السنة، وإن كانت تنفي تسليح الحوثيين أو تشجيع الشيعة على الاحتجاج في البحرين.
ومما يسهل قراءة أهداف إيران من الاتفاق النووي وآثاره الاقتصادية على البلاد، تلك الرسالة التي وجهها الزعيم الإيراني «آية الله خامنئي»، إلى رئيس البلاد، ونشرت الأسبوع الماضي، والتي قال فيها إنه «يجب تخصيص 5% على الأقل من ميزانية البلاد للدفاع لزيادة القدرات الدفاعية على مستوى القوة الإقليمية من أجل تحقيق المصالح والأمن القومي».
وتنفق معظم دول حلف شمال الأطلسي، أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.
لكن المحللين يقولون إنه من الصعب تصور أن توسع إيران هذه الأنشطة أكثر وإن كان احتمال توفر مزيد من الأموال لدفع تكاليف العمليات الكبيرة في العراق وسوريا سيكون محل ترحيب.
وقال «بيمان»: «أعرف النظرية الأمريكية التي تقول، إذا أبرمنا اتفاقا مع إيران فإنها ستمارس هيمنتها في أنحاء المنطقة».
وأضاف: »لا أرى هذا، لإيران حضور بالفعل في كل مكان بالمنطقة ولا أدري كيف سيتغير ذلك».
من جانبهم يعتبر الإيرانيون أنفسهم قوة تساعد على تحقيق الاستقرار، ففي الشهر الماضي شرح وزير الخارجية «محمد جواد ظريف»، من خلال موقع «هارفارد انترناشونال ريفيو» على الانترنت رؤيته لكيفية مواجهة الدول لتنظيم «الدولة الإسلامية»، فأشار الى أنها معركة ستجد واشنطن وطهران نفسيهما تقاتلان فيها عدوا مشتركا على الرغم من غرابة هذا الموقف.
وفي رأي «منصور حقيقت بور»، نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، أن الاتفاق النووي الإيراني «لن يغير مساهمة إيران في استقرار المنطقة وأن تحسين العلاقات الاقتصادية سيساعد في هذا».
وأضاف: «نتمتع بالفعل بتعاون جيد في الأمور الاقتصادية ومجالات أخرى مع الدول الأخرى... إذا أزيلت العقبات (العقوبات) فحينئذ يمكن أن تنمو هذه العلاقات».
وتبقى الإجابة على السؤال رهينة الأيام المقبلة، والضغوط التي سيواجهها «روحاني»، سواء المعلنة أو غير المعلنة.
وقد أبرمت إيران والدول الست الكبرى رسميا الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني اليوم الثلاثاء في فيينا، وأعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في «الاتحاد الأوروبي»، «فيدريكا موغيريني» على موقع «تويتر» ،في تغريدة «لدينا الاتفاق»، مشيرة إلى انتهاء المفاوضات التي استمرت 21 شهرا.
ويأتي ذلك بعد فترة وجيزة من إعلان «الاتحاد الأوروبي» بدء الاجتماع بين وزراء خارجية إيران والدول الكبرى الست في فيينا والذي من المقرر أن يعلن فيه رسميا الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني.
واعتبر وزير خارجية إيران ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاتفاق التاريخي صفحة جديدة ويمهد لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية.
وقال وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» اليوم الثلاثاء، إن الاتفاق هو «لحظة تاريخية» و«صفحة أمل جديدة»، مضيفا أن الاتفاق ليس مثاليا لكنه الأفضل لجميع الأطراف.
يشار إلى أن مهلة الاتفاق المرحلي الموقع عام 2013 انتهت منتصف الليلة الماضية، وهو الاتفاق الذي جمدت بموجبه إيران جزءا من برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات رغم التمديد مرات عدة.