جاءت أزمة محاولة الانقلاب التي شهدتها الدولة التركية مؤخرا في الوقت الخاطئ تماما بالنسبة إلى أنقرة. عبر الحدود في العراق وسوريا، تتصاعد العديد من التحديات الحرجة حيث يتم سحب تركيا بشكل أعمق نحو مكافحة الدولة الإسلامية. داخليا، تخوض تركيا كفاحها الخاص ضد الحركة الكردية المسلحة الممثلة في حزب العمال الكردستاني. ونظرا لأن الانقلاب قد برز من داخل بعض وحدات الجيش فإن حكومة الرئيس «رجب طيب أردوغان» وحزبه سوف يخوضون حملة تطهير مكثفة للقوات المسلحة. وهذا سوف يجعل من الصعب بالنسبة لأنقرة أن تستخدم الجيش كأداة لتنفيذ السياسات والاستراتيجيات الوطنية. وقد تم قمع محاولة الانقلاب، ولكن توابعها سوف تظل تقيد تركيا لفترة طويلة قادمة.
هناك أقلية ملحوظة من القيادة العسكرية التركية دعمت الانقلاب. وعلى الرغم من أن المؤامرة كانت تدور منذ بعض الوقت، فإن المتآمرين قد أجبروا على التصرف بسرعة حين أدركوا أن هناك حملة وشيكة ضدهم مع حركة التنقلات العسكرية المرتقبة في 1 أغسطس/آب المقبل حيث كان من المنتظر إحالة بعضهم إلى التقاعد. ضم المتآمرون فصائل من 3 جيوش تركية منفصلة هي الجيش الأول والثاني والثالث. كما شملت المؤامرة أيضا عدد من وحدات سلاح الجو التركي. في 15 يوليو/تموز، قام مخططو الانقلاب بحشد وحدات الطيران والمدرعات في عملية مفاجئة منسقة في حين كان الرئيس «رجب طيب أردوغان» يقضي عطلته في جنوب غرب مدينة بودروم.
في الوقت الذي قرر فيه «أردوغان» في النهاية أن يذهب إلى إسطنبول بطائرته، فقد خرج إلى التلفاز ليؤكد أن قادة الانقلاب هم من أنصار زعيم المعارضة المقيم في المنفى« فتح الله كولن» وحركته. أصدر «كولن» بيانا ينفي هذا الاتهام ويدين الانقلاب، ولكن ذلك لن يوقف «أردوغان» عن تطهير الجيش من بقايا أنصار حركة «كولن». تم ذكر العديد من قادة الانقلاب الذين تربطهم علاقات مع حركة «كولن» بما في ذلك رئيس الأركان السابق للقوات الجوية «أكين أوزتورك»، والعقيد «محرم كوسا»، والطيار «حاكان قراقوش». وبالإضافة إلى أكثر من 2800 جندي، قامت الحكومة التركية باعتقال بعض كبار الضباط قي الخدمة. ويقبع الآن رهن الاعتقال كل من الجنرال «آدم حدوتي» قائد الجيش الثاني الميداني ورئيس أركانه «عوني آنغون»، وقائد الجيش الثالث الجنرال «إردال أوزتورك» وغيرهم.
حملة التطهير
وقد كان «أردوغان» وأنصاره قلقون حول انقلاب عسكري محتمل، حيث عرفت تركيا على مدار تاريخها 4 انقلابات منذ عام 1960. وسوف يسعى الرئيس الآن لتنفيذ حملة سريعة وقوية سوف ترقي إلى مستوى التطهير الصريح للقوات المسلحة التركية من كل من له علاقة مع حركة « كولن».
وقد حدث هذا من قبل. في أعقاب القضية المشتهرة باسم «أرجينيكون» ثم عملية المطرقة المناهضة للحكومة، وهي خطة مزعومة من بعض الفصائل داخل الجيش التركي ضد حزب العدالة والتنمية يعود تاريخها إلى عام 2003. في ذلك الوقت شنت الحكومة حملة مماثلة. ألقت الحكومة القبض على ما يقرب من 400 فرد عسكري، بما في ذلك بعض الضباط المتقاعدين حيث مثلوا جميعا أمام النيابة العامة بتهمة التحضير لانقلاب. وعلى الرغم من أن معظمهم قد تمت تبرئتهم في نهاية المطاف، فإن تلك الأحداث قد تسببت في تآكل الثقة في الجيش التركي وإضعاف فاعليته القتالية.
ومن المرجح أن تتسبب الحملة المنتظرة في أعقاب محاولة الانقلاب الأخيرة في تقويض القدرات العسكرية أيضا. وسوف تتسبب أيضا في إضعاف الروح المعنوية للجيش وتقليل تماسكه القتالي. وسوف يتسبب اعتقال وسجن قادة الفرق المقاتلة وكذلك مديري التموين والخدمات اللوجستية في زيادة الفوضى. سوف يتسبب ذلك في فوضى في الجداول التدريبية وتأجيل التدريبات الروتينية أو إلغائها. سوف يصبح التخطيط للعمليات العسكرية أكثر صعوبة مع الإصلاحات في هياكل القيادة. قد تحاول الحكومة حل بعض من هذه المشاكل عن طريق استعادة بعض العسكريين الذين استبعدهم أنصار «كولن» أنفسهم ولكن هذا لن يحدث بسرعة.
لعنة التوقيت
لا يمكن أن تأتي مثل تلك التطورات في وقت أسوأ من ذلك، حيث يشن الجيش التركي حملة ضد حزب العمال الكردستاني في الوقت الذي يشتبك فيه في سوريا والعراق. ضعاف للجيش في أعقاب انقلاب فاشل سوف يحجم من قدرات أنقرة في التعامل مع هذه التحديات. الحديث عن شن هجوم عسكري تركي في سوريا في الوقت الراهن يبدو مغامرة خطيرة جدا. وهذا ينطبق أيضا على أي وجود عسكري تركي موسع في العراق في الوقت الذي تجري فيه الاستعدادات لدفع الدولة الإسلامية عن الموصل. العمليات التركية ضد حزب العمال الكردستاني قد تعاني أيضا، على الرغم من أنه من غير المرجح أنها سوف تتوقف بشكل كامل.
سوف يعقد هذا الاختلاف داخل صفوف الجيش التركي من سائر الجهود الإقليمية أيضا. جهود الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية تعتمد بشكل كبير على تركيا كقاعدة للعمليات الجوية. تعتمد واشنطن أيضا على تركيا لقطع خطوط الإمداد اللوجستي للجماعة المتطرفة. ومع انشغال أنقرة وتشتتها، فإن وكلاءها من المتمردين في سوريا قد يضعفون أيضا. وهذا من شأنه إضعاف حركة التمرد المحاصرة بالفعل. يمكن أن يمنح الاقتتال الداخلي التركي الفرصة لوحدات الحماية الكردية من أجل توسيع وربط جيوب الإقليمية التي يسيطر عليها الأكراد.
على الورق، يبدو الجيش التركي واحدا من أقوى جيوش المنطقة. لكن انخفاض الروح المعنوية والمعارضة في كثير من الأحيان تكشف عن تصدعات في القوة العسكرية المتصورة. وغالبا ما تختفي نقاط الضعف تلك خلف أعداد القوات الضخمة والمعدات العسكرية الحديثة في حين تصبح واضحة فقط في أوقات التمرد والانقلابات. الجيش التركي بحاجة الآن إلى الانغلاق على الذات من أجل التعامل مع التأثيرات السلبية الناجمة عن محاولة الانقلاب. سوف يستغرق الجيش التركي سنوات من أجل التعافي، وهو الوقت الذي لا يبدو أن تركيا تملك رفاهيته. وفي الوقت الذي تتعمق فيه حالة عدم الاستقرار في المنطقة فإن تركيا في حاجة إلى احتواء الفوضى في الوقت الذي تسعى فيه إلى استعادة موقعها.