عبد المجيد البلوي، المونيتور، 22/7/2014
جاءت عمليّة "شرورة" يوم الجمعة في 4 تمّوز/يوليو 2014 التي قام بتنفيذها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والذي يتمركز في اليمن، ثم سيطرة الحوثيّين في 8 تمّوز/يوليو 2014 على محافظة عمران، لتضعا اليمن من جديد على رأس اهتمامات الأمن القوميّ السعوديّ.
يرى بعض المراقبين نقاط مشتركة بين التطوّرات التي حدثت في اليمن في جنوب المملكة وما يحدث في شمالها في العراق وسوريا، من تصاعد للحرب الطائفيّة السنيّة – الشيعيّة، ومن تقدّم للدولة الإسلاميّة وسيطرتها على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقيّة وبسطها لنفوذها على مساحات واسعة من البلدين، ووصولها إلى مناطق شمال العاصمة العراقية بغداد وغربها وجنوبها، معزّزة قوّتها بتحالفها مع قوى عشائريّة وفرّت لها حاضنة شعبيّة، وأمّنت لها طرق الدعم ما بين العراق وسوريا.
قابل هذا التقدّم للدولة الإسلاميّة والقوى المتحالفة معها في العراق، واقترابها من بغداد التي تمثّل خطّاُ إيرانيّاً أحمر، تقدّم في جنوب الجزيرة العربيّة لقوّات الحوثيّين حتّى باتوا على أبواب صنعاء. ومع تحوّل الشرق الأوسط إلى لوحة شطرنج في الصراع القائم بين طهران والرياض، تأتي الرسالة الإيرانيّة لتقول: "إن سقطت بغداد في أيدي الجماعات السنيّة أو سقط جزء منها، فإن صنعاء سوف تسقط في يد الجماعات الشيعيّة".
الحراك الحوثيّ في اليمن له جذور يمنيّة خالصة، ولكن هذا لا يلغي أنّ هناك علاقة وارتباطاً بين هذه الحركة وإيران، وقد سبق للسيناتور الأميركي جون ماكين أن اعتبر أنّ "خطر الحوثيّين في اليمن أشدّ من خطر القاعدة، وذلك لعلاقة الحوثيّين بإيران وأجندتها في المنطقة".
ومن جهّة أخرى، فإنّ تمدّد نفوذ الدولة الإسلاميّة وتوسّعها، وإعلان الخلافة مثّلت تحدّياً وتهديداً لتنظيم القاعدة الأمّ وفروعها في سوريا والعراق واليمن، إذ يعتبر إعلان الخلافة موجّهاً في الدرجة الأولى إلى التنظيمات الجهاديّة التي تتزّعمها القاعدة ويقودها أيمن الظواهري. وهو يأتي في سياق التنافس على الحركة الجهاديّة العالميّة ومحاولة من الدولة الإسلاميّة لانتزاع قيادة الجهاد العالميّ من القاعدة، وإحداث انشقاق في فروعها ومحاصرتها.
هذا الصعود للدولة الإسلاميّة في العراق قد يكون من الأسباب التي دفعت تنظيم القاعدة إلى القيام بعمليّة "شرورة" الإرهابيّة لإثبات الوجود وتأكيد دوره الأساسيّ في قيادة الجهاد العالميّ. وقد اختار التنظيم لهذه العمليّة اسم "غزوة الثأر للأسيرات"، والمقصود بذلك المعتقلات في السجون السعوديّة من النساء المناصرات للقاعدة. فإن الجهد السعودي يتركز على السيطرة على الحدود ومنعهم من الدخول للأراضي السعودية ابتداءً.
أما ما يسمى " الدولة الاسلامية " فهي تملك قدرات أكبر من القاعدة في اليمن وتضم عدد كبير من السعوديين يُقدر بعدة آلاف وهؤلاء يمثلون تحدي أكبر فيما لو قرروا تنفيذ عمليات ارهابية داخل السعودية .
ومن المرجّح أنّ التنافس بين الدولة الإسلاميّة وتنظيم القاعدة على كسب دعم أنصار التيّار الجهاديّ في الجزيرة العربيّة ومنها السعودية في شكل خاصّ وتأييده، سوف يزداد في الفترة المقبلة، ولن ينتهي إلاّ بعد حسم السيطرة على الفضاء الجهاديّ، لأيّ من القوّتين المتصارعتين، وهو ما قد يقود كلّ منهما إلى القيام بعمليّات إرهابيّة داخل السعوديّة وخارجها في إطار هذا التنافس الشرس بينهما.
وقد رصدت صحيفة الحياة في تقرير لها في 7 تمّوز/يوليو 2014، بوادر لهذا الصراع على شبكة التواصل الإجتماعيّ تويتر، بين أنصار تنظيم القاعدة في جزيرة العرب و أنصار الدولة الإسلاميّة الذين يطالبون الأوّل بمبايعة الخليفة ابراهيم عوّاد والوقوف ضدّ فرع القاعدة في سوريا "جبهة النصرة ".
يجمع بين التهديدات التي يتعرّض إليها الأمن القوميّ السعوديّ جنوباً من تمدّد الحوثيّين والقاعدة، وشمالاً من توسّع الدولة الإسلاميّة، وعودة الميليشيات الشيعيّة إلى الظهور في شكل علنيّ في جنوب العراق، أنّها نتائج لانهيار الدولة أو ضعفها وفشلها في العراق وسوريا واليمن. وتتركّز خيارات السعوديّة أمام هذا الواقع المعقّد في دعم القوى التقليديّة العشائريّة المتمرّدة على هذه الدول الضعيفة الفاشلة من جهّة، والمعارضة لنفوذ القاعدة والحوثيّين من جهة أخرى.
ففي العراق تتحالف السعودية مع شخصيات قبلية مثل علي الحاتم السلمان شيخ قبيلة الدليم والذي يشارك بالتمرد على حكومة نوري المالكي وله سجل في مواجهة تنظيم القاعدة سابقاً ، كما تعتمد سياستها في سوريا على شخصيات عشائرية مثل أحمد الجربا من قبيلة شمر المنتشرة في الشرق السوري و عبدالاله البشير قائد أركان الجيش الحر الذي يتنمي لقبيلة النعيم والمتواجدة بشكل كبير في درعا .
أما في اليمن فللسعودية علاقات واسعة و متشعبة مع شيوخ القبائل اليمنية خصوصا بين شيوخ قبائل حاشد المحيطين بالعاصمة صنعاء لتأثيرهم السياسي على طبيعة الحكم في اليمن.
في هذه المنطقة الممتدّة بين المتوسّط والخليج وبحر العرب، والتي تتحوّل لما يشبه لوحة شطرنج في لعبة عظمي (Great Game)، تفضّل السعوديّة ورقة القوى العشائريّة التقليديّة لمواجهة كلّ من الحركات العقائديّة المرتبطة بإيران والحركات العقائديّة المرتبطة بالقاعدة على حدّ سواء.
قد تنجح هذه الاستراتيجيّة في العراق حيث تنهار سلطة الدولة بالكامل في المناطق الغربيّة والشماليّة، وهو ما سوف يفتح المجال أمام التنافس على النفوذ والقوّة بين القبيلة والجماعات الجهاديّة ومكوّنات المجتمع الأخرى. ولكنّ حدوث هذا في اليمن ليس مضموناً في ظلّ بقاء الدولة الفاشلة مع عدم تعرّضها للانهيار والتفكّك الكامل، وكذلك مع بقاء الجماعات الجهاديّة تحت نفوذ القبيلة وحمايتها. في حين تكتسب المجموعات المسلحة قوّة على الحدود السعودية، بات خطر وقوع أعمال إرهابية في المملكة حقيقياً أكثر من أي وقت مضى.